الشغف في الحياة.. كيف نرصده في حياتنا المهنية؟

21 سبتمبر 2022
الشغف في الحياة.. كيف نرصده في حياتنا المهنية؟


عمّان- الشغف هو القوة الكامنة في أعماق الإنسان التي تحركه باتجاه إنجاز ما يحبه، مثيرة حماسه وعزيمته، لينجز من دون أن يشعر بكلل أو ملل. هي المحرك لكل الطاقات الدفينة فيه، فتكسبه السعادة والفرح، وتهبه الاستمرارية حتى لو واجه معضلات تعوق سيره، وتجعله مقبلا على يومه نشيطا متكامل القوة، لأن كل دقيقة في الحياة هي صناعة للمستقبل الذي نتطلع إليه.
وللشغف تأثير إيجابي على حياة الإنسان؛ إذ يزوده بالقدرة على تقبل أي شيء، وتحويل التحديات إلى فرص والاستمتاع بالوقت الذي يقضى في الإنجاز، فلا يعتري المرء التعب أو الملل، ومن هنا تجده يقدر أسرته ومهنته ومجتمعه على حد سواء.
لكن هل يستطيع الفرد تحديد شغفه في الحياة؟ أو هل يعلم ماذا يحب؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، دار نقاشنا الآتي مع المختصين.
اتبع شغفك
تقول مدربة التنمية البشرية سوسن الكيلاني، “أصبحنا نسمع كثيرا عبارة (اتبع شغفك) هذه الأيام، وبعض الشباب يقفون حائرين أمام هذا المفهوم، كيف يمكن أن أعرف ما أنا شغوف به؟”.
وتشرح المدربة المعتمدة من اتحاد المدربين العرب ذلك بقولها “كانت بعض الثقافات القديمة تعمد إلى وضع 3 أشياء أمام الطفل الصغير، ليلتقط منها ما يحب، على سبيل المثال قلم وطعام ولعبة، وعندما يلتقط الطفل القلم يتوقعون أنه سيكون محبا للعلم والمعرفة وهكذا؛ وهذا يدل على أن بعض التوجهات قد تولد فطرية مع الأطفال، خصوصا عند بعض العائلات المحبة للأرقام والرياضيات والشطرنج، مع أنهم قد يضيعون في الطرقات بسهولة، فهذا مرتبط بتلافيف الدماغ وهو أمر جيني وراثي”.
لكن في الأوضاع العادية، كثيرا ما تستطيع الأم أن تعرف ميول طفلها واهتماماته من كثرة مراقبته وهو يتحرك حولها؛ فمن الأطفال من يفكك الألعاب، ومنهم من يبني الأبراج والجسور، ومنهم من يحب الغناء، وآخرون يحبون كرة القدم، وعندما يكبر الفتى قد تتغير بعض الأمور، وفقا للكيلاني.
كيف تعرف ما تحب؟
تقول الكيلاني -في حديثها مع الجزيرة نت- إن على كل إنسان أن يحاول أن يعرف نفسه، ويعرف ما يحب، ويسجل ملاحظاته، وهذه بعض الأسئلة المساعدة:
ما الذي يجعلني استيقظ باكرا وأنا نشيط؟
ما العمل الذي أقوم به من دون تردد؟
ما المسلسل الذي أحضره باستغراق شديد؟
متى لا أستطيع أن أكذب؟
متى أصرف نقودي من دون تفكير؟
من المعلم الذي أدرس مادته بدون مناقشة؟
وتبين مدربة التنمية البشرية كلما استطاع الإنسان الوعي بذاته، وعرف الأشياء التي يستمتع بالقيام بها، يعني التي يقوم بها بشغف وحماس، سهل عليه أن يتخصص فيها ويجعلها مهنته ومصدر رزقه، وهي نعمة ما بعدها نعمة أن يكون مصدر رزقك هو شغفك وما تحب القيام به مهما كان.
كيف تقود شغفك؟
وتذكر الكيلاني أمثلة على دور الشغف في حياة الفرد، “يقال إن السلطان عبد الحميد الثاني كان يحب النجارة ويبدع فيها وكان يجد فيها راحته وسلواه، وكانت تعينه على التركيز والتفكير في تسيير أمور الدولة”.
وتضيف، “يقول الدكتور طارق سويدان: أن تطور نفسك في ما تحب أسهل بكثير من أن تحاول أن تنجح في ما لا تحب وهو يجلب مالا أكثر. فمثلا أن تأخذي دورة في تزيين الحلويات التي تحسنين صنعها، قد يساعدك على التفوق على أقرانك، بدل أخذ دورة لغة إنجليزية لأنك لا تعرفينها جيدا. وهناك من يقول كن قائدا لشغفك، بدلا من أن تكون تابعا له”.
وتكمل مدربة التنمية البشرية “حاول أن تكون شجاعا ومبادرا، عندك قلب الأسد، فإننا لن نتعلم إلا إذا جربنا وقد نفشل، ولكن يجب ألا نيأس أبدا. كل واحد فينا يمكنه المشاركة في عمارة الأرض بالطريقة التي يحبها وترضي رب العالمين فقط”.
وتبين الكيلاني أن “هناك نماذج كثيرة لأشخاص كانوا يقومون بأعمالهم من دون شغف وحماس وهم متثاقلون ولا يحرزون تقدما ولا يحققون أهدافا، وفجأة توقفوا وغيروا مجرى حياتهم، اتبعوا شغفهم وعملوا في ما يحبون وتغيرت حياتهم كليا وحققوا نجاحات. نصيحتي للشباب كن صادقا مع نفسك.. لا تكن كسولا.. مدد طاقاتك واستغل قدراتك، وكن قائدا لشغفك في رحلتك لجعل هذا العالم أفضل”.
التحلي بالمرونة
من جهته، يلخص اختصاصي الطب النفسي دكتور مازن مقابلة عدة خطوات يستطيع المرء بها تحديد شغفه أو ما يحب في الحياة، وهي:
يجب عليك فهم نفسك وصفاتك وقدراتك ونقاط القوة والضعف لديك من خلال الاختبارات والمقاييس العقلية والنفسية بشكل علمي، واستشارة ذوي الاختصاص إن لزم الأمر، وهو ما يُعرف بـ(Self-Exploration).
يجب عليك تقبل نفسك والتصالح مع ذاتك والعمل على تعزيز الإيجابيات وتعديل السلبيات، وهو ما يُعرف بـ(Self-Acceptance).
يجب عليك تحديد مجموعة من الرغبات والخيارات المفضلة المتوقعة وعدم التقيد بخيار واحد، وهو ما يُعرف بـ(Self-Orientation).
يجب عليك الانخراط في الحياة العلمية والعملية بشكل كاف لتخضع رغباتك وشغفك للتجارب على أرض الواقع للتأكد من أنها تناسبك أم لا، وهو ما يُعرف بـ(Self-Testing).
يجب عليك التحلي بالمرونة في مواجهة الواقع وتعديل رغباتك بشكل مستمر، لكي تضمن الاستمرارية وعدم الفشل، وهو ما يُعرف بـ(Self-Adjustment).
وبخصوص عدم تطبيق هذه الخطوات في اختيار العمل، أجرت مؤسسة التحليلات والاستشارات الأميركية المعنية باستطلاعات الرأي العام المعروفة “غالوب” (GALLUP) دراسة عالمية بين عامي 2009-2012 شملت 180 مليون موظف من 142 دولة لمعرفة نسبة الموظفين الذين يحبون عملهم، وكانت النتيجة أن 13% فقط من الموظفين يحبون عملهم ويسهمون في تطوره، في حين أن 63% من الموظفين معتادون على العمل، لكن لا يسهمون في تطوره، و24% من الموظفين لا يحبون عملهم ويسهمون في فشله”.
الشغف في الحياة المهنية
وفي هذا السياق، ذكر موقع “ذا ميوز” (The Muse) خطوات لتحديد شغفك، وبعض الطرق لمساعدتك على البدء في تحويلها إلى حياتك المهنية:
1- تذكر ما أحببت عندما كنت طفلا: في كثير من الأحيان، تظهر مشاعرنا الحقيقية في مرحلة الطفولة، ويتم سحقها بضغوط الحياة الحقيقية. لذا، فكر في ما أحببته قبل فترة طويلة، بعيدا عن القلق بشأن حياتك المهنية.
2- أخرج المال من المعادلة: لا تدع الضغوط المالية تملي عليك اختياراتك، إذ يجب أن تؤدي حياتك المهنية في النهاية إلى الأمان المالي، ولكن إذا كان الأمن المالي هو الدافع المحدد، فمن غير المرجح أن ينتهي بك الأمر إلى فعل ما تحب.
3- اطلب من أصدقائك ملاحظاتهم: أحيانًا لا تكون أفضل قاض في حكمك بشأن ما سيجعلك سعيدًا. اسأل الأشخاص الذين يعرفونك جيدًا متى تبدو أسعد، وما تفعله بحماس أكبر من المعتاد، قد تفاجئك إجاباتهم.
4- حدد بطلك المحترف: يمكنك تحديد الأشخاص، سواء بشكل شخصي أو في الإطار المرجعي الموسع الخاص بك (من طبيب الأمراض الجلدية إلى أوبرا)، من الذي تريد أن تحاكي حياته المهنية؟ تواصل معه لمعرفة المزيد بشأن كيفية وصوله إلى ما هو عليه، أو إذا لم يكن ذلك ممكنًا، فاقرأ كثيرا بشأن حياته المهنية.
5- فكر في ما تستمتع به: ركز على الأشياء التي تستمتع بها وتفعلها بشكل جيد، سواء كانت لديك طريقة مميزة لتربية الحيوانات، أو صنع كيكة ليمون خارقة، أو كنت مهووسا بالأوريجامي، وغيرها، وقم بتدوينها. ثم قم بتضييق القائمة إلى أهم 3 أو 4 أشياء، اجعلها في متناول يدك، وراجعها كثيرًا، واستخدمها نقطة انطلاق عندما تخطط لحركتك المهنية.
ابدأ بـ4 خطوات
بمجرد أن تكون لديك فكرة قوية عما تحب القيام به، لا يزال من الممكن تحويل هذا الشغف إلى مهنة وقفزة كبيرة في الحياة.
في ما يأتي 4 خطوات سهلة لبدء إجراء التغيير:
ابدأ بالتحدث إلى مستشار مهني؛ إذ يساعد المستشارون المهنيون الآخرين في معرفة ما يريدون، وسيكون لديهم رؤى وأدوات لمساعدتك في التركيز على الأشياء التي تحبها أكثر والقيام بأفضل ما يكون، كما سيكونون قادرين على تقديم أفكار وإرشادات حول كيفية العثور على مهنة تناسبك.
ابدأ بالاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى، نحن نعيش في عالم اجتماعي، انشغل على “تويتر” (Twitter) و”فيسبوك” (Facebook) و”لينكد إن” (LinkedIn).
 ابدأ بالتواصل مع الأشخاص الذين يشاركونك مجالات اهتمامك، واقرأ المدونات وانضم إلى المنتديات واكتشف ما يشبه فعلاً ما تحب.
ابدأ بتوفير المال بمجرد أن تشعر بقوة أنك تريد البدء في هذا المسار الجديد، ابدأ في حفظ المال. كلما زادت الأموال التي لديك في البنك، قلت الموارد المالية التي تحكم قراراتك، وأصبح الأمر أقل رعبًا، في حال قدمت استقالتك من وظيفتك.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

الاخبار العاجلة