في شهر احتفاء بثقافة الضاد، يزهر الكتّاب العرب في كندا
تقول المثل الشائع “أمطار أبريل تجلب أزهار مايو”، معبرًا عن الحبور والتفاؤل بقدوم مطلع الربيع وانتهاء فصل الشتاء الطويل والبارد. ولكن لم يكن الربيع يجلب فقط الورود هذا العام، بل بدأت أزهار لغة الضاد تتفتح أيضًا مع إعلان شهر أبريل/نيسان شهرًا للتراث العربي في كندا منذ عام 2022.
تمثل هذه الخطوة جهودًا شعبية بذلها نشطاء ومؤسسات عربية لكسب الاعتراف بمجتمعهم ودورهم في وطنهم الجديد. وقد كان السابع من فبراير/شباط 2022 لحظة فارقة عندما قدم النائب في البرلمان الكندي ديفيد ماكجينتي مشروع قانون بهذا الخصوص بالتنسيق مع العديد من المنظمات المجتمعية.
أسفرت هذه الجهود عن اعتماد البرلمان الكندي أبريل/نيسان شهرًا لاحترام التراث العربي، مؤكدًا على “إنجازاتهم ودورهم التاريخي في بناء المجتمع الكندي”. ويعتبر العرب جزءًا أساسيًا من المجتمع الكندي، حيث يزيد عددهم عن المليون ويساهمون بشكل كبير في جميع جوانب الحياة.
وتعد اللغة العربية من بين اللغات الأسرع نموًا في كندا، حيث ارتفعت نسبة الأفراد الذين يتحدثون العربية في المنزل بأكثر من الربع في عام 2022 مقارنة بعام 2016.
تؤكد الكاتبة أماني إبراهيم أن إقرار شهر التراث العربي يعتبر اعترافًا بأهمية دور العرب في التاريخ والنسيج المجتمعي الكندي. وتعتبر الأنشطة التي تقام في شهر أبريل/نيسان فرصة للعرب لسرد قصصهم وقضاياهم، وتعريف المجتمع الكندي بجوانب ثقافتهم الغنية.
اعتراف بالعرب وثقافتهم
عدد العرب في كندا يتجاوز المليون، وتزايدهم مستمر منذ وصولهم أول مرة في عام 1882. تسهم مجتمعاتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل متنوع. وفقًا لإحصاءات كندا، يعتبر 629 ألفًا كلغة عربية لغتهم الأم، ومن بينهم 286 ألفًا يتحدثون بها في المنزل بشكل أساسي.
تشهد اللغة العربية نموًا سريعًا في كندا، حيث ازداد عدد الأشخاص الذين يستخدمونها في المنزل بنسبة تفوق الربع بين عامي 2016 و2022.
تشير كاتبة قصص الأطفال، أماني إبراهيم، إلى أهمية اعتماد شهر التراث العربي كنوع من الاعتراف بدور العرب في تاريخ وتنوع المجتمع الكندي. ترى أن هذه الخطوة تضع العرب على قدم المساواة مع مجموعات أخرى تحتفل بتراثها في أشهر أخرى من العام.
وتضيف إبراهيم، التي تقيم في تورنتو، أن الأنشطة التي تنظم في أبريل تمنح العرب فرصة للتعبير عن قصصهم وقضاياهم، وتعرض جوانب ثقافتهم بشكل إيجابي للمجتمع الكندي، بعيدًا عن التصورات النمطية والصور السلبية المعتادة.
الاحتفاء بالكتاب العربي في كندا
“معرض الكتاب العربي الكندي” يشكل واحدة من أبرز التظاهرات التي تحتفي بالثقافة العربية في كندا، ويأتي هذا العام بنسخته الثانية في مدينة ميسيساغا بولاية أونتاريو خلال أيام 13 و14 من أبريل/نيسان.
وبشكل غير متوقع، يتجاوز المعرض مجرد سوق للكتب، حيث يتحول إلى منصة تضم عناصر متنوعة من الثقافة العربية المسموعة والمقروءة والمرئية. وشهد مسرح المعرض عروضًا موسيقية من قبل فنانين متميزين مثل أكاديمية مقامات الدولية للفون.
كما شهد المعرض عددًا من الندوات الثقافية والقراءات الشعرية، بمشاركة صناع ثقافيين عرب من مصر وسوريا واليمن والعراق، مما يعكس تنوع الهويات العربية في كندا.
وكانت فلسطين حاضرة بشكل بارز في المعرض، حيث تم افتتاح معرض فني خاص بفنانة فلسطينية تضمن العديد من اللوحات التعبيرية حول الواقع الفلسطيني. وتم أيضًا قراءة نصوص شعرية للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، إلى جانب عروض موسيقية أخرى تحمل رمزية فلسطينية.
هذا البرنامج الثقافي المتنوع الأبعاد يلقي الضوء على الوجه الثقافي الغني للعرب في كندا، كما يبرز الأدباء والمثقفين العرب الموجودين بالفعل في كندا الذين حضروا من مقاطعات مختلفة للمشاركة في فعالياته.
المديرة التنفيذية للمعرض ريهام طعيمة أكدت أن المعرض حفل بأحدث الإصدارات، موضحة أنه يضم 25 دار نشر عربية من 8 دول هي: مصر والمغرب وتونس وفلسطين ولبنان والعراق وسوريا وموريتانيا، بالإضافة إلى 15 دارا ومكتبة من 3 مقاطعات كندية.
وتضيف طعيمة للجزيرة نت أن عدد العناوين المعروضة لهذا العام وصل إلى نحو ألف عنوان في سابقة لم تحدث من قبل في كندا.
المهاجر العربي وثقافته الأصلية
وضمن رؤيتها للأدوار المتعددة التي تؤديها هذه الاحتفالية توضح طعيمة أن المعرض له دور فعال وحيوي في ربط المهاجر العربي على الأراضي الكندية بلغته الأم في محاولة لترسيخ وتعزيز تمسكه بهويته العربية في بلاد المهجر، مع نقل تجربته للأجيال الثانية والتي لا تتحدث اللغة العربية من خلال عرض للكتب المنقولة عن الأدب العربي والمترجمة إلى الإنجليزية والفرنسية وهما اللغتان الرسميتان لكندا.
من جانبها توضح راندا الجعفراوي منسقة المتطوعين في المعرض أن الكتب والفعاليات الثقافية ليست الأداة الوحيدة لربط وتعريف الأجيال الشابة في كندا بالثقافة العربية، بل إن فتح باب التطوع للمساهمة في الأعمال الخاصة بالمعرض اجتذب العشرات من الراغبين في الاحتفاء بالثقافة العربية في شهرها.
وتضيف الجعفراوي للجزيرة نت أن مشاركة الأجيال الجديدة من العرب الكنديين في التطوع في المعرض العربي الكندي للكتاب تعد فرصة ممتازة لربطهم بلغتهم وثقافتهم الأصلية، فمن خلال التطوع في تنظيم وإدارة المعرض يمكن للشباب العرب الكندي تعزيز مهاراتهم في اللغة العربية والتعرف على الأدب والثقافة العربية.
وبتحولها إلى منصة لعرض الأدب والفنون العربية تشكل هذه الفعالية ساحة للتعارف والتفاعل الإيجابي، ليس بين الثقافتين العربية والكندية فقط، بل كذلك يمتد تأثيرها إلى المتطوعين الآخرين القادمين من خلفيات ثقافية أخرى.
توطين الكتاب العربي في كندا
وفي شهر الاحتفاء بالتراث العربي تتوجه الأنظار إلى الكتاب الذي يمثل الناقل الأبرز عبر العصور للمضامين الثقافية المختلفة، حيث تأخرت صناعة الكتاب العربي في الظهور والتأسيس لثقافة توطينه في البلاد، وقد حازت بعض الزخم مؤخرا مستفيدة من سقف الحرية المرتفع، والتطور التقني الذي سهل التغلب على بعض تعقيدات هذه الصناعة، بجانب السوق الذي يتسع مع موجات المهاجرين العرب المتزايدة في السنوات الأخيرة.
“هناك الكثير من المثقفين العرب لا يعرفهم القارئ العربي في كندا، ومهمتنا إيصال كتبهم الى القراء العرب والتعريف بهم”؛ بهذه الكلمات يلخص الدكتور ثامر الصفار المدير التنفيذي لمؤسسة “داري بوكس للطباعة والنشر” الغاية التي تتبناها دور النشر الناشئة في كندا.
وبجهود عدد من المثقفين العراقيين تم تأسيس “داري بوكس” بداية عام 2022، وهي تطبع بعدد من اللغات في مجالات مختلفة مع التركيز على العربية، لمؤلفين مقيمين في كندا وأوروبا أو في عدد من دول الوطن العربي.
وفي إفادته للجزيرة نت يؤكد الصفار أهمية توطين الكتاب العربي في كندا، موضحا أنهم يتبعون العديد من الوسائل لتحقيق هذا الهدف، من قبيل حفظ نسخة أو أكثر من كل كتاب في دار الأرشيف الكندي للكتب، بجانب الاستفادة من جودة المنتوج الكندي من ورق وغيره من المواد التي تظهر الكتاب بأبهى صورة مع تقليل كلفة الكتاب على القارئ وعدم تحميله الكلفة الباهظة للشحن من الدول العربية إلى كندا.
صعوبات في وجه نشر الكتاب العربي
ووفقا لمهتمين بالشأن الثقافي تعد تكاليف الشحن الناتجة عن التباعد الجغرافي بين أميركا الشمالية والعالم العربي أحد أكبر العوائق أمام انتشار الكتاب العربي، حيث يضطر القارئ إلى دفع تكاليف النشر والشحن في الفاتورة النهائية، ما يزيد من سعر الكتاب مقارنة بالكتب المطبوعة في كندا.
من جانبه يؤكد الصفار أن الناشرين العرب في كندا ينحتون في الصخر ويواجهون صعوبات متعددة، وأهمها عدم حصولهم على الدعم لا من الجهات الكندية، لتخصصهم في نشر الكتب بالعربية غالبا، ولا من الملحقيات الثقافية العربية.
وفي مواجهة هذا الواقع يجدون أنفسهم مضطرين إلى الاعتماد على إمكانياتهم الذاتية في تحمل فاتورة المشاركة في المعارض الداخلية وما يرافقها من كلف شحن الكتب والإقامة في المدن التي تقام فيها المعارض، في حين تبدو المشاركة في معارض الدول العربية من الصعوبة بمكان نتيجة عدم قدرتهم على الإيفاء بتكاليفها المرتفعة.