صراحة نيوز _ إبراهيم عبد المجيد القيسي
يحق لكل مستضعف أن يقاوم الجهة التي تستضعفه، وتسعى للسيطرة على حقوقه.. هذه طبيعة موجودة في كل الكائنات، أما لدى الإنسان، ككائن قوي وتميز عن غيره من الكائنات بالعقل والذكاء، فهو المسيطر على الكوكب، وهو الأكثر جدارة بمقاومة أي توحش طبيعي، وعلى عاتقه تقع مسؤولية حماية الحياة على الكوكب الأرضي، وهذه حقيقة بديهية، تنبع منها كل القوانين والدساتير، التي تدعم وتؤكد إنسانية الإنسان، ولا يجوز التغاضي عنها، بل «ما بنفع» التغاضي عنها حين تتوحش كائنات من البشر وتمارس التوحش والبشاعة على البشر الآخرين.
في القضية الفلسطينية، التي تتقادم بلا حل ينصف المظلوم، وكما في كل القضايا البشرية التاريخية المشابهة، يحق للمتضرر المطالبة بحقوقه، ويحق له البحث عنها وتحصيلها حين ترفض «الكائنات المتوحشة» إعادة الحقوق لأهلها، بل وتمارس كل أنواع الجرائم ضد المستضعفين.
بهذا المعنى، يحق لحماس ولكل فلسطيني أن يقاوم لتحرير أرضه، بعد هذه العقود التي مرت على احتلال أرضه من قبل حركة عنصرية مجرمة، وبدعم من دول استعمارية معروف عنها ترجيح مصالحها على كل المصالح والحقوق والقوانين، فلا أحد يدعي بأنه كائن بشري ولا يقر بحق الشعب الفلسطيني بالسعي لتحرير نفسه ووطنه من قبضة الإجرام والعنصرية.
قبل أن تنطلق حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني المسالم الأعزل، المحاصر في غزة، وأثناءها وبعدها، حق المقاومة محفوظ للشعب الفلسطيني، ولا جهة تسعى لمصادرته سوى الجهة المحتلة، ولا يمكن أن يتفهم أحد في هذه المرحلة التهجم على حق المقاومة ومصادرته، سوى المحتل، أو عملائه المكلفين بشرعنة جرائم الاحتلال الصهيوني، لا سيما إن كان المتحدث فلسطينيا، فلن يقبل أي شعب يحترم نفسه أن يخرج فلسطينيا في أي مكان، وينكر على شعبه حقه المشروع في مقاومة العدو الذي يحتل أرضه، ويقترف بحقه شتى انواع البشاعة والإجرام.
أمريكا نفسها وأوروبا، وكل الدول التي تكون طرفا في صراعات مع أمم ودول وشعوب أخرى، أنتجت بل صنعت في تلك الدول جهات مقاومة، تساعدها في زعزعة استقرارها، لصالح المخططات الأمريكية، فصناعة المقاومة وتغذيتها في أغلب بقاع العالم وفي كثير من القضايا، هي صناعة عالمية، تنفذها دول وشركات سلاح وغيرها.. فالمقاومة بهذا المعنى سلاح، وقد يجري استخدامه ضد الانظمة السياسية الحاكمة، سواء أكانت أنظمة وطنية منتخبة أم ديكتاتورية، أم حكومات وجيوش احتلال..
المقاومة الفلسطينية، وبغض النظر عن أخطائها السياسية، تحظى اليوم بأكثر وأكبر دعم، وأهم دعم يأتيها اليوم من شعوب البلدان التي كانت وما زالت سببا باحتلال فلسطين، وداعما رئيسيا له، أعني أمريكا وأوروبا، وسوف يتسع ويتجذر هذا الدعم العالمي، ويشكل أزمات سياسية واقتصادية داخلية في تلك الدول الداعمة للكيان الصهيوني المجرم، وهذه حالة سياسية طبيعية تحدث في حراك الشعوب نحو التحضر والمدنية وإقرار سيادة القانون وترسيخ مبادىء الإنسانية.. وسرعان ما ستتمخض هذه مواقف الشعبية إلى أفكار وتيارات سياسية، تعمق الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول، وستتمخض عن ولادة حكومات عبر صناديق الاقتراع، ولن تنتهي الصراعات السياسية في تلك الدول، بل ستتسع وتتنافس، وهذا أكبر دليل على أهمية وجدوى المقاومة الفلسطينية، التي هزت العالم، ودفعت بشعوبه لدعم حقوق البشر برفع الظلم عن أنفسها.. ومثل هذا الانتصار للمقاومة الفسطينية، يمكننا اعتباره درسا لن ينساه العالم، وسوف يدفع لتغيير كبير في السياسات الدولية، تجاه قضية الشعب الفلسطيني وتجاه كل القضايا والصراعات المشابهة، التي يجري فيها ظلم واستعباد شعوب أخرى.
نحن في الأردن، وعلى الصعيد الرسمي ربما ليس سهلا أن نحدد خياراتنا السياسية تجاه هذه التغيرات العالمية، لكننا نؤمن أن نظامنا السياسي ذكي، ويمكنه قراءة المصالح الأردنية وتحديدها، وأهمها أمن واستقرار الأردن، وعدم الزج بمستقبله في أتون مغامرات وصراعات و»مكابرات» تتنافى والواقع..
الأردن ملتصق استراتيجيا بحل عادل للقضية الفلسطينية، ويحافظ على عهوده واتفاقياته وتحالفاته الدولية، ولا يعني هذا بأنه سيتغاضى عن أي خطر يهدد حدوده وأراضيه وصموده، وحقه السياسي الطبيعي بالبحث عن مصالحه في ظل تحالفات جديدة.
فالمقاومة الفلسطينية شئنا أم أبينا، تحقق نتائج عالمية كبيرة، ستغير الموازين والأدوار على أرض الواقع.