البطة التائهة

4 د للقراءة
4 د للقراءة
البطة التائهة

صراحة نيوز _ ابراهيم عبد المجيد القيسي

نزعة «بيروقراطية» تسيطر على قرارات الحكومات في الأردن في حالات سياسية «دستورية» معينة، ولا يمكن فهم بعض المواقف والقرارات الحكومية بغير هذا الانطباع، في الفترة الدستورية التي تمر بها الحكومات الأردنية، والتي تكون جاثمة على صناعة القرار الإداري والسياسي والاقتصادي، مع نهاية العمر الدستوري «الافتراضي» للحكومات، وهي التي تأتي مع نهاية عمر مجلس النواب الدستوري، المتمثل بانتهاء 4 سنوات، ولدينا اليوم قرار ملكي بإجراء الانتخابات النيابية مطلع أيلول القادم..
في الولايات المتحدة الأمريكية، ثمة مصطلح سياسي وهو «مرحلة البطة العرجاء»، وهي الفترة التي تأتي بعد انتخاب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وقبل توليه مهامه الدستورية في البيت الأبيض، وتتولى جهات دستورية مهام الرئيس، حتى يتسلم سلطاته.. ولدينا في الأردن حالة مشابهة «عمليا، فنحن لا نتحدث عن حالة قانونية ثابتة، لكننا نلمسها ويشعر معها المتابع «الحذق» أن ثمة بعض القرارات، التي ربما لن يعلم عنها المواطن شيئا إلا في عهدة الحكومة الجديدة، فهناك الكثير من القضايا والملفات العالقة، أو التي يكون اتخاذ القرار فيها «حساسا» ويحظى بمعارضة و»تشويش»، لو تم اتخاذه قبل هذه الفترة، لكن بعض المسؤولين، بعضهم؛ يستغلون مثل هذه الفترة، ويقررون ويمررون قرارات صعبة، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر، نقل وتثبيت موظفين كثر، من موظفي مجلس النواب، الذين قام النواب بتعيينهم، على نظام العقود أو شراء الخدمات وغيرها من الاستثناءات، فيكبر عددهم، ويتم نقلهم إلى مؤسسات أخرى أو تثبيتهم في مثل هذه الفترات من عمر مجلس النواب..
الهدايا الإدارية، المتمثلة بالنقل والترفيعات وتغيير المواقع والتسميات في كثير من المؤسسات، تحدث في مثل هذه الفترات، وعلى طريقة «هواة مقفي»، حيث يقوم بعض المسؤولين بمكافأة «زلمهم»، الذين اقتنعوا بجهودهم و»شغلهم»، وحتى يبرئوا ذمتهم من الوعود التي قطعوها لهؤلاء الموظفين، يقومون بنقلهم أو ترفيعهم بمواقع إدارية وتنفيذية، وأغلب هذه الحالات من القرارات الإدارية تصدر في مثل هذه الفترات، وهذه ليست من عبقريات المسؤول، لكنها ثقافة جاثمة في القطاع العام، ومعتمدة لدى طبقة من الموظفين في مكان ما من الهرم الوظيفي القيادي في الوزارات والمؤسسات، والذي يتابع وسائل الإعلام يقرأ فيها مثل هذه الأخبار في مثل هذه المراحل، ويمكن لمتابعي مواقع التواصل الاجتماعي أن يرصدوا «باقات» من التهاني من فئة «تزهو بكم المناصب»..و»الإشي المناسب في المكان المناسب»..الخ.
قد تكون كل القرارات من هذا النوع وفي مثل هذه الفترة، طبيعية، قانونية، مستحقة، لكن لماذا في هذا الوقت، سؤال يتوه بدوره ولا يلقى إجابة في مرحلة البطة التائهة، التي سرعان ما تؤوب إلى الرشد مع قدوم مجلس نواب جديد وحكومة جديدة، وفي هذه المرة ستكون الصفقات السياسية أكثر وضوحا، لأن هناك مكونا جديدا في مجلس النواب، يمثل 65% من حجم قرار المجلس، وهي الأحزاب، فكل الأحزاب في كل الدول، تفاوض الحكومات و»ع المكشوف» بشأن مطالب حزبية، نابعة من برامجها وهدفها المشروع وهو كسب الأغلبيات، لتشكيل الحكومات نفسها.. حتى المعارضة السياسية تزدهر، في مثل هذا النوع من الديمقراطيات..
في مرحلة «البطة العرجاء أو التائهة»، تختفي نسبيا الإثارة الكامنة في الأخبار، وتتوجه أغلب الأخبار للدعاية الانتخابية ودعاية «الاستيزار أو التوزير».. والمدرنة، والأمر الأكثر خطورة الذي قد يحدث في مثل هذه المرحلة، هو ضعف الرقابة، حيث تكون هناك أحيانا أخطاء قانونية ودستورية، لكن لا أحد يتحدث عنها، فنقول «في الفم ماء».. وننتظر بفارغ الصبر للتخلص منه.

Share This Article