بالوزه أو بالوظة خليلية

4 د للقراءة
4 د للقراءة
بالوزه أو بالوظة خليلية

صراحة نيوز _ابراهيم عبد المجيد القيسي

مكالمة ثانية أو ربما ثالثة، وردتني من الدكتور عرفات الأشهب، وهذه حدود
معرفتي بالدكتور المحترم، الذي ناقشني في المكالمات الثلاث حول مقالاتي، ومكالمته أمس كانت بسؤال مباشر، وبصيغة سؤال المعلم للتلاميذ: استاذ ابراهيم أنا الدكتور عرفات.. عرفات الأشهب، بدي اتثقف بدي التراث وأسألك: شو هي المهلبية؟
اهلين استاذنا العزيز، لا أعرف المهلبية حقا، لكنني أعتقد بأنها «الهيطلية»، فقال مستغربا أنت تكتبها في مقالتك (يقصد مقالتي ليوم أمس حول وقعتنا مع سيارات الكهربا) ولا تعرفها!، قلت نعم وتسبقها كلمة «فانتازيا»، ضحك وقال سأحدثك عن زمن من أزمنة الناس في الخليل، كانت هناك معصرة للسمسم، ذكر اسمها ولم أحفظه، وكان الناس يعصرون السمسم، فيستخرجون منه زيت السيرج، ويعملون طحينية كمان، وتبقى قشور حبيبات السمسم، وكنا نطلق عليها اسم «الكَسبة»، وهذه تصلح طعاما لنوعين من الكائنات، الأول «البقر» لمزيد من إدرار الحليب، والثاني هو بعض الفقراء، حيث يجري مزج «الكسبة» بالماء وقليل من السكر، فيصبح قوامها كـ»الجلي»، ويباع الصحن الواحد بتعريفه، وقال لي بأن اسم هذه الحلويات هو «البالوزة»، وقال إنها تورث آكليها «قدرات متواضعة في التفكير والتركيز والفطنة، هو قال «الغباء» على حد تعبيره»..
ثم مضى الدكتور في سرديته عن المهلبية..
قال كان بعض الناس يضيفون قليلا من حليب البودرة، وأوضح (حليب اللاجين.. واللاجين هو الإسم الموسيقي لكلمة «اللاجئين»)، ذكره الدكتور في إشارة نفسية تصف حزنه على الشعب الفلسطيني ومأساته.. قال الدكتور الأشهب: ويضيفون على «البالوزة قليلا من النشا، فيصح اسم «الطبخة» مهلبية، وكان الصحن منها يباع بقرش لا بتعريفة.. وذكر الدكتور قصة قصيرة دارت بين معلم وشخص بل طالب في صف ما من عائلة «شاور أو أبو شاور..وتحية لأستاذنا الزميل رشاد أبو شاور العزيز»، وأعتقد بأنه ابن مالك مطحنة السمسم، وانتهت بقول المعلم بأن «مطحنتكم أورثت الناس الغباء».
بعد أن بين لي الدكتور عرفات ما هي المهلبية، قلت له هي إذا «الهيطلية» نفسها، كنا نصنعها من حليب الأغنام وبعض النشا.. وكنا نضيف «سمن بلدي».. و»نلهط» مع الخبز لما يطيش ذراعنا.
وانتقل الدكتور الأشهب لحديث آخر:
سأعطيك رقما حاول الاتصال معه إن كنت تريد كتابة شيء جديد عن مأساة الفلسطينيين في غزة، أفكر بإعطائك أنت أو «نيفين» رقم هذا الشخص، فهو طبيب أردني عائد للتو من غزة، واسمه د جمال عبدالخالق يغمور، يروي مشاهد رآها جديرة بالمتابعة والحديث.. ثم قال الدكتور الأشهب:
هذا الدكتور هو ابن عبدالخالق يغمور، هل تعرفه؟ قلت لا والله، فقال كان مع شخصين «والله نسيت اسميهما»، وأوضح بأنهم ثلاثتهم، تزاملوا أو كانوا من مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية، وهم من النماذج النقية في المنظمة.. وتأكيدا على وجود «إثارة» في قصص وروايات الدكتور جمال العائد من غزة، قال لي الدكتور الأشهب: هل تعلم كم يبلغ ثمن «السيجارة» في غزة؟ توقعت رقما فقلت «شيكل»؟! .. فأجاب بل 10 دولارات، فقلت: هل مع الناس مثل هذا المبلغ لينفقوه على سيجارة؟ .. فقال المدخن الشره يفعل مقابل «سيجارة»، وأردف «كنا نشعل أعواد الملوخية وندخنها، فقلت له مستغربا رقم 10 دولار ثمنا لسيجارة: ليقم بفرط العشرة إلى دولارات ويشعلها تباعا ويدخنها، فسوف تعطيه دخانا أكثر.. وانتهت المكالمة بالحديث عن «دخان» غزة الثمين.. وأرسل لي الدكتور رقم الطبيب العائد من غزة، ولا بد سأهاتفه وأكتب شيئا عن مكالمتي معه.
ولم يقفز في ذاكرتي بعد هذه المكالمة سوى بعض كلمات غناها المطرب اللبناني وليد توفيق، في فيلم سينمائي جمعه بالممثلة «رغدة السورية»، عن الجنوب اللبناني المشتعل في أعقاب حروب اسرائيل ضد العرب، وفي شلال من صور سينمائية تبين أن «البطلة ميتة وينقلونها في نعش» يقدم المطرب موالا في مقدمة أغنية عنوانها «من يقتلنا؟» ويقول: شجر الحور دخان.. والنهر دخان.. ورذاذ المطر الناعم فوق الجرح دخان.. من ألبسك الثوب الأسود.. من قص ظفيرتك الشقراء.. من قص الشفة المرجانة.. آآآه زينب.

Share This Article