صراحة نيوز- بقلم / د. محمود أبو فروة الرجبي
تشكل ثورة الذكاء الاصطناعي التي نعيشها في هذه الأيام فرصة عظيمة لنا نحن العرب من أجل أن نواكبها، ونستثمرها بإيجابية، بعيدا عن كوابح التقدم والتطور الـموجودة في عقول بعضنا، والتي جعلتنا في غالب الأحوال نحول أي شيء إيجابي إلى سلبي، وعلى الـمستوى الآخر نعمل على استغلاله بطريقة تفرغه من كل معانيه، ومقاصده.تشكل ثورة الذكاء الاصطناعي التي نعيشها في هذه الأيام فرصة عظيمة لنا نحن العرب من أجل أن نواكبها، ونستثمرها بإيجابية، بعيدا عن كوابح التقدم والتطور الـموجودة في عقول بعضنا، والتي جعلتنا في غالب الأحوال نحول أي شيء إيجابي إلى سلبي، وعلى الـمستوى الآخر نعمل على استغلاله بطريقة تفرغه من كل معانيه، ومقاصده.
لم يعد الذكاء الاصطناعي شيئا هامشيا في الحياة، فقد دخل في جوانب عديدة منها، وبات أملا لكثير من الناس في تحسين حياتهم، وتسريع إنجازاتهم، وفي الوقت نفسه شكل عددا من التحديات الكبيرة في مجال الخوف من فقدان الوظائف، وزيادة سيطرة الرأسمالية على سوق العمل، إضافة إلى زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، والشمال والجنوب، وغيرها من التقسيمات البشرية غير العادلة، ولا ننسى في هذا السياق التخوفات من وجود التحيزات في إجابات الذكاء الاصطناعي حول الأسئلة التي توجه إليه، خاصة عندما يتعلق الأمر بالشرق والغرب، وعلاوة على ذلك ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.
في بلادنا العربية بدأ الذكاء الاصطناعي يغزونا في مجال توليد النصوص، فانتشر أولا «تشات جي بي تي» ثم دخلت تطبيقات أخرى، ومنها «جيميناي» من جوجل الذي اعتقد أنه مع مرور الوقت سيكون الأكثر قدرة على خدمتنا نحن العرب، لاستناده إلى بيانات أضخم، ومعلومات أكثر تحديثا في مختلف نسخه عن غيره.
على مستوى الدول، والشركات، والمؤسسات الكبرى تمكن الذكاء الاصطناعي من خدمة الـمجالات الطبية، والحاسوبية، والعمل الإداري، والإعلامي وغيره، ولكن على الـمستوى الشعبي، تمكن التطبيقان المذكوران سابقا من خدمة قطاع الطلبة بالدرجة الأولى، والباحثين بالدرجة الثانية، ولكن بأشكال مختلفة.
يستخدم غالبية الطلبة تطبيقات الذكاء الاصطناعي من أجل حل الواجبات، وتوليد النصوص المطلوبة منهم في مجال دراستهم، وقلما نجد من يستثمره بشكله الصحيح، فمن خلال تجاربي الـمختلفة على عدة تطبيقات منه، وجدت أننا يمكن أن نستثمره بالدراسة بشكل غير مسبوق، وبطريقة تمكن الطلبة من تسهيل فهمهم للمواد، وتعميق تحصيلهم العلمي، وزيادة قدرتهم على اكتساب المهارات والـمعلومات.
على سبيل المثال لا الحصر، يمكن الاستفادة منه في الـمساعدة على فهم المعادلات الرياضية، وقواعد اللغة العربية، وشرح أي مفهوم يحتاجه الطالب بسهولة، وسلاسة، وفي حالة لم يفهم أي نقطة من شرح التطبيق نفسه يمكن للمستخدم أن يطلب من التطبيق شرحاً لأي نقطة، وإعادة الشرح، وإعطاء الأمثلة، وقد جربته مثلا في مسائل بعيدة عن تخصصي، ولها علاقة بمسائل فيزيائية نسيتها تماما من أيام الـمدرسة، فشرحها بشكل رائع، وكأنه أستاذ يفهم تلميذه، وبمجرد طلبك منك مزيد من الشرح، والأمثلة، فإنه يقدم لك ما تحتاجه من أمثلة.
ومن جهة أخرى فإن عددا من أساتذة الـمدارس يستخدمونه في الحصول على تمارين يحلها الطلبة، أو عن طريق ألعاب تعلمية، أو تمارين، أو أمثلة، أو ما شابه، ورغم أن التجربة ما تزال في بدايتها، ولكنها تستحق الدراسة، لنعرف حقا ما تأثيرات هذه التطبيقات في تحسين التعليم، واعتقد أن بعض الدراسات بدأت تجرى في هذا المضمار في كليات التربية الـمختلفة في بلدنا الأردن، وفي وطننا العربي الكبير، للإجابة على أسئلة لها علاقة بمدى الاستفادة من هذه التطبيقات في العملية التعلمية.
يعاني العقل العربي – مثله مثل أي عقل إنساني – من حب الاستسهال، واللجوء دائما إلى الخيار الأقصر، ولذلك، وبمجرد دخول تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى حياتنا سارع عدد من الناس من أجل الاستفادة منه بطريقة غير صحية، ومع ذلك، فهناك نماذج تمكنت من ابتكار أساليب، وصيغ، ووسائل لمخاطبة تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتطوير هذا التعامل للوصول إلى تسريع الفهم، والاستيعاب، وللتعلم، وذلك كله يقع في سياق ما يجب أن نفعله – نحن العرب-كي لا نقع ضحايا هذه التطبيقات الرقمية الحديثة.
لا يمكن وصف عمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي بأنه إيجابي، ومثالي، فهو ما زال يتطور، ويحتاج إلى مزيد من التعليم، ولا نستطيع التعامل معه وكأنه مصدر مأمون مائة بالمائة للمعلومات، لأنه يتعرض لأخطاء، تماما مثلما يقع فيها العقل البشري عادة، وأتوقع أن يتم تجاوز معظمها في وقت قصير، ومع ذلك، يجب تدريب الطلبة والـمعلمين، ومختلف فئات الـمجتمع على التعامل الصحيح معه، لنعظم فوائده، ونقلل سلبياته إلى أقل مستوى ممكن.
التعامل مع الذكاء الاصطناعي يحتاج من نخبة الـمجتمع في مختلف الـمجالات أن يبتكروا وسائل للتعامل معه، وكيفية الاستفادة منه، وأنا أقول دائما في ورشي، ومحاضراتي: عندما يتعامل أي شخص مع الذكاء الاصطناعي على أنه موظف عنده، وهو يفهم أكثر منه (أي الشخص الذي يستعمله)، ويستطيع تصحيح أخطائه وقتها يمكنه الاستفادة منه، وإلا فإنه سيتضرر من أخطائه.
وفي حالة تعامل الطلبة مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي من خلال معرفتهم بالحد الأدنى في مجالات دراستهم، يمكنهم من التعامل معه بشكل أفضل، والخلاصة هي أن الذكاء الاصطناعي أصبح واقعا لا يمكن التغاضي عنه، وفيه فوائد عظيمة، يمكن البناء عليها، وفي الوقت نفسه قد يؤثر على التحصيل العلمي، والجدية، والسعي نحو التعلم، وهذا كله يعتمد على عقليتنا، وقدرتنا على جعله رافعة للعلم، والـمعرفة، والتقدم في بلدنا الأردن، ووطننا العربي الكبير.