صراحة نيوز – بقلم: آلاء عماد قطيشات
في أحدث فصل مِن سلسلة “تلفيقات السياسة”، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو خطابًا حافلًا بالألوان أمام جمهور “مكتمل المقاعد”، لكن سرعان ما تبيّن أن الصورة البراقة لم تكن سوى خدعة مدروسة بعناية.
في مسعى لتضخيم صورة الدعم الجماهيريّ، قرر نتنياهو أن يتبنى أسلوبًا غير تقليدي، حيث قامت فرقته بتعبئة المقاعد الفارغة بتماثيل أو ربما ببعض الدمى التي لم تكن لتحرك أي مشاعر حقيقية. خلف الكواليس، تبدو “الجماهير” وكأنها مجرد خلفية سينمائية، مما جعل الخطاب يبدو كعرض مسرحي هزلي أكثر من كونه حدثًا سياسيًا جادًا.
أثناء الخطاب، غصت الشاشات بالصور المُبهجة والضجيج المبالغ فيه، بينما تساءل النقاد عما إذا كان هؤلاء “الجمهور” قد حصلوا عَلى فرصة لتناول القهوة في كواليس العرض، أو ربما كانوا يقضون وقتهم في استراحة متوسطة بين فصول المسرحية.
وفي لحظةٍ ترفيهية، لم يكن من غير المعتاد رؤية بعض “المشجعين” وهم ينخرطون في تصفيق حاد وكأنهم يتلقون تعليمات لتفعيل “رد الفعل”، وهو ما أعطى انطباعًا إضافيًا أن المشهد لم يكن سوى جزء من عرض مصطنع بدلًا مِن لقاء سياسي حقيقي.
الجدير بالذكر أن الخطاب تضمن إشارات مُبهمة إلى النجاحات العسكرية والتطورات الاقتصادية، لكن الرسائل الرئيسية اختفت وراء السجادة اللامعة التي كانت تزين “القاعة”. كما عُرفت سياسات نتنياهو بـ”الفصل العنصري” و”السيطرة الأمنية”، ولكنه بدلًا من التحدث بصراحة عن القضايا الحساسة، فضل استعراض صور مزيفة لمستقبل زاهر.
تحت سحر الإعلانات السياسية وأضواء “المقاعد الممتلئة”، غفل نتنياهو عمدًا عن ذكر الأوضاع المأساوية في المناطق المتأثرة بالحرب. لم يتطرق إلى التقارير المروعة عَن الضحايا المدنيين والدمار الذي لحق بالبنية التحتية، والتي أسفرت عن أزمة إنسانيّة طاحنة، بدلاً من ذلك، ركز على استعراض إنجازاته المزعومة وتعزيز صورته كقائد حازم يواجه التهديدات بصلابة!
وبينما كان يتحدث عَن قوة الردع وأهمية الاستمرار في الحملة العسكرية، كان العالم الخارجي يراقب مشاهد الدمار والألم الذي يعاني منه المدنيون في المناطق المتأثرة. إن محاولة نتنياهو لتجميل الأوضاع من خلال خطابه تبدو كحيلة أخرى ضمن سلسلة من التلاعبات التي تهدف إلى إخفاء الحقائق وتضليل الرأي العام.
النقاد يرون أن خطاب نتنياهو لم يكن سوى محاولة مكشوفة لتشتيت الانتباه عَن الخسائر الفادحة والإنسانيّة المأساوية التي تحدث على الأرض. بدلًا من تقديم حلول حقيقية أو اعتراف بالمشكلات، اختار نتنياهو تلميع صورته من خلال استعراض زائف للتأييد الجماهيري.
في نهاية الخطاب، تكشفت الحيلة لتصبح مادة دسمة لوسائل الإعلام والنقاد، الذين أشاروا إلى أن نتنياهو قد يكون برع في فنون الإقناع، لكنه في هذه المرة اجتهد كثيرًا في صناعة الانطباع لدرجة أنه فقد لمسة الواقعية.
وبينما تواصل الأضواء تسليطها على المسرحية السياسية، تبقى جهود نتنياهو لإخفاء الحقائق عبر خطاباته المسيسة محاولة يائسة لتجنب المساءلة وتحقيق مكاسب سياسية على حساب الأرواح البريئة. والحقيقة أنها كانت مجرد خدعة أخرى فِي عالم السياسة، حيث الحيل والفن والتمثيل تتداخل لتقديم “عرض” يرضي جميع الأطراف — حتى وإن كان مزيفًا.