صراحة نيوز- كتب/ الدكتور رجائي حرب
إن كرة النار المتدحرجة في المنطقة، والتصريحات الخطيرة التي تصدر عن الفرقاء السياسيين ويتابعها العالم كله تنذر بالعديد من المفاجآت السياسية التي ستؤدي لا محالة إلى نشوب حربٍ طاحنةٍ ستقتلع جذور الأمن والاستقرار من كل دول المنطقة؛ وستكون لواحةً للبشر، وستأخذ في طريقها ما تبقى من قيمة الإنسان بعدما ضاعت في خضم الحسابات الجيوسياسية الظالمة معانيها الصادقة؛ وربما ستتعاظم الأعمال الحربية في أية لحظة لتزيد من تشنج الوضع العالمي كله لتملأه أذىً وفوضى تقضي على أحلامنا بالذهاب إلى مستقبلٍ ملؤه الأمل لأجيالنا القادمة
ومع الظلم الذي ينتشر في الأرجاء؛ ومع الدم الطاهر الذي يراق صباح مساء في غزة ولبنان وسوريا وليبيا والعراق واليمن والسودان نشعر بالغضب العارم؛ والصدمة نتيجة العجز عن فعل أي شيء في هذا الوضع المأزوم؛ فلا ثارت رجولتنا لرفض الواقع المرير ونجدة الدم البريء الذي يتم اغتياله على مرآى عيون العالم المنافق؛ ولا عدنا قادرين على الصمت على ذلٍ كوى أفئدتنا حتى بلغت قلوبنا الحناجر من هول المصيبة التي نشاهدها، ويشاهدها العالم المأزوم الذي لا يستطيع أن يقول للظالم والمعتدى على الانسان كفى استهتاراً وظلماً لقيمة الإنسان الخالدة.
وفوق كل ذلك، يتم ممارسة لعبة الأمم الظالمة على منطقتنا منذ قرنٍ من الزمان؛ حيث تم تفكيكها والاستقواء عليها، وتفكيك إنسانها، وغرس جسم خبيث في قلبها، وتأجيج صراعات طائفية ومذهبية ومناطقية وإقليمية فيها لدوام تفتيتها وضياعها ومنع وحدتها؛ منطلقين من السياسة الاستعمارية المسماة ( فرِّق تَسُدْ )
وتمت ممارسة أبشع ضروب المؤامرات منذ استفرد النظام العالمي الجديد بالمنطقة، وانتشار ثورة الاتصالات؛ التي ورغم كل الفوائد التي جلبتها للبشرية من تسهيل الحياة؛ إلا أنها عملت على تبلد العقول، وتغييب إنسانية الإنسان، ونشر الجهل المعرفي، وجعل الجميع عبيدأ لوسائل التواصل الاجتماعي التي تولت بث المعرفة الوهمية الزائفة، وعدم التركيز في الفهم نتيجة سرعة المعلومات، والوجبات الثقافية الموجهة التي ترتكز على الإثارة، وثقافة الاستهلاك، والمنفعة، والفتنة، وحب الذات وتقديمها على المصلحة العامة؛ حتى انتشرت الانانية على كل المستويات، وصار حال الجميع ينطلق من مقولة ( أنا والطوفان من بعدي )
ولم تنج قيم المنطقة سواء الدينية أو الثقافية أو الحضارية أو القومية من التهميش والتفكيك والاعتداء وإخراج مفاهيم تضرب هذه القيم وتعتدي عليها وتشوه صورتها أمام الأجيال المعاصرة حتى ضنوا أنه ليس محرماً التعدي على أي شيء
فصار الدين سلعة يتاجر بها من يشاء؛ وخاض البعض في الإساءة إلى نفسه وإلى القيم النبيلة، وتناسى معظمهم قول الله تعالى في كتابه العزيز ( ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد )؛ وانتشرت عبثية الجدل في الموروث الحضاري والثقافي، ولم ينج منها أحد. حتى غدا كل شيء مشوه ومشكوك فيه؛ وانتشر التكفير الذي زرعته القوى الخارجية لشق الصف الاسلامي، ونسف السلم المجتمعي الديني، واشتغلت عليه للأسف قيادات سياسية وفكرية داخلية وخارجية لإضرام نيران الفتنة بين السنة والشيعة وبين العربي والكردي والفارسي والإزيدي والأمازيغي والأفريقي. وتوكل بهذه المرحلة ضعاف النفوس وأصحاب الفكر الضحل ومحبي الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي والذين كانوا يخوضوا مع الخائضين بلا فهمٍ ولا دراية، حتى غدونا لا نعرف كيف نعيد ( تقطيب ) الجراح الغائرة في جسد الأمة
وما يثير عجبي واستغرابي أن هناك بعض المثقفين والذين نحسبهم قياداتٍ فكريةٍ ودينيةٍ وثقافيةٍ وتربويةٍ يمارسون على وسائل التواصل الاجتماعي أبشع جرائم الفتنة بين المسلمين، ويدقون أسافين الكراهية في مجتمعاتنا التي سمتها البراءة والبساطة، ويتبنون مواقف كارثية يندى لها جبين الإنسانية؛ أمام عظمة وهول ما يصدعون به على الملأ، ولا يعلمون أن هناك العديد من البسطاء الذين يأخذون كلامهم على محمل الجد ويجاملونهم، ويساندونهم بممارسة فعل الكراهية للفئة التي تم مهاجمتها من قبل هؤلاء؛ ما يضع عليهم أوزاراً هم بغنى عنها نتيجة الخوض بأمور غير دقيقة ولا ترتقي لدرجة الحقيقة
فأين التأدب في الكلام؟ وأين التأدب في التوجهات؟ وأين الخوف من الله، ومن زلات اللسان التي كثيراً ما يُكبُّ الناس على وجوههم في النار بسببها؛ حين يتبنى أحدهم موقفاً في ظلم جهةٍ أو شخصٍ، ويطلق الأحكام جزافاً ضده، وينشرها على وسائل التواصل الالكتروني؛ حتى أننا نشعر بالصدمة نتيجة تجرؤه على القيام بمثل هذا الفعل الشائن؟ أين التأدب في احترام عقول الاخرين؟ وكيف تفتي بالدين وأنت لست متخصص في الإفتاء؟ وكيف تُكفٍّر شخصاً آخر وأنت لا تعرفه ولا تعلم نواياه، ( فهل شققت عن قلبه ) ؟ وكيف تمارس التحليل السياسي وأنت أو أنتِ لم تدرس السياسة ولا تفقه مباديء التحليل، ولا تعلم ظواهر الأمور ولا بواطنها؟
كفانا تعدي على أنفسنا وعلى الآخرين. وكفانا ظلماً لهذا المجتمع الذي أصابته التخمة من كثرة الجراحات الاجتماعية التي أنهكته. واعلموا أن الكلمة رصاصة عندما تخرج من فمك تغدو حجةً عليك. وإما أن تلقي بك في النار أو ترفعك إلى عليين في الجنة.
إنتبه أو انتبهي فليس كل ما يُعلمُ يقال ولا تكن كالغراب ينعق بما لا يعلم، ولا تكن كالببغاء تكرر ما تسمع أو ترى دون أن تعرف ما سيترتب من خراب بناءاً على أقوالك.
إتقوا الله وانتبهوا فنحن على حافة الهاوية فلا تكن سبباً في التعجيل بالكارثة