عاجل – تجارب الدول مع جدري القرود: دروس مستفادة من الأوبئة السابقة

7 د للقراءة
7 د للقراءة
عاجل - تجارب الدول مع جدري القرود: دروس مستفادة من الأوبئة السابقة

صراحة نيوز – يوسف الفقهاء

في السنوات الأخيرة، تصدرت الأوبئة والأمراض المعدية العناوين العالمية مع انتشار فيروسات مثل كوفيد-19، وسابقًا سارس، والإيبولا. وفي هذا السياق، برز جدري القرود كأحد التحديات الصحية الجديدة التي تواجهها دول العالم. على الرغم من أن جدري القرود ليس بمرض جديد، حيث تم اكتشافه لأول مرة في خمسينيات القرن الماضي، فإن انتشاره خارج أفريقيا وانتقاله إلى مناطق جديدة قد أثار قلقًا كبيرًا على مستوى الصحة العامة.

1.جدري القرود: خلفية تاريخية وعلمية

جدري القرود هو مرض فيروسي نادر ينتقل من الحيوانات إلى البشر، وينتقل أيضًا بين البشر أنفسهم. اكتشف لأول مرة في عام 1958 بين القردة التي كانت تُستخدم في الأبحاث العلمية، وسُجلت أول إصابة بشرية مؤكدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 1970. يعد المرض جزءًا من عائلة فيروسات الجدري (Orthopoxvirus)، وهو أقل حدة وخطورة مقارنة بالجدري التقليدي، لكن يمكن أن يتسبب في مضاعفات خطيرة خصوصًا لدى الأطفال وكبار السن وأولئك الذين يعانون من ضعف الجهاز المناعي.

تبدأ الأعراض عادةً بحمى شديدة، وصداع، وآلام عضلية، وإرهاق شديد، يتبعها طفح جلدي يبدأ غالبًا على الوجه قبل أن ينتشر إلى باقي الجسم. وفي الحالات الشديدة، يمكن أن يسبب المرض مضاعفات مثل الالتهاب الرئوي والتهابات الدماغ. يُعتبر الاتصال المباشر مع الحيوانات البرية، مثل القوارض أو القردة المصابة، من أكثر الطرق شيوعًا لانتقال الفيروس إلى البشر.

2.انتشار جدري القرود: تحديات جديدة

في العقود الماضية، كانت حالات جدري القرود محصورة بشكل كبير في بعض المناطق الريفية في وسط وغرب أفريقيا. ومع ذلك، منذ عام 2022، بدأت تظهر حالات في دول لم تكن معروفة بتفشي هذا المرض، بما في ذلك دول أوروبا وأمريكا الشمالية، ما أثار قلقًا دوليًا. هذا الانتشار السريع يطرح العديد من التساؤلات حول كيفية وصول الفيروس إلى هذه المناطق ومدى استعداد الدول لمواجهته.

3. الدروس المستفادة من الأوبئة السابقة

لقد واجهت الدول العديد من الأوبئة في العقود الأخيرة، ومع كل جائحة، ازدادت خبرة الدول في التعامل مع الأمراض المعدية. نستعرض هنا بعض الدروس المستفادة من هذه الأوبئة التي يمكن تطبيقها في مواجهة جدري القرود:

أ. التشخيص المبكر والاستجابة السريعة

واحدة من أهم الدروس المستفادة من الأوبئة السابقة، مثل الإنفلونزا وسارس وكوفيد-19، هي ضرورة التشخيص المبكر للمرضى وعزلهم لمنع انتشار العدوى. الدول التي تمكنت من اكتشاف الحالات مبكرًا واتخاذ إجراءات صارمة للعزل كانت الأكثر نجاحًا في السيطرة على تفشي المرض. على سبيل المثال، استخدمت بعض الدول تقنيات مثل تتبع المخالطين وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتحديد الأشخاص المحتمل إصابتهم وتقديم العلاج لهم في وقت مبكر.

ب. تعزيز الأنظمة الصحية والبنية التحتية

الأوبئة الكبيرة مثل كوفيد-19 أظهرت الحاجة الملحة لتحسين وتعزيز الأنظمة الصحية. استثمرت الدول التي واجهت أوبئة سابقة بنجاح في بناء بنية تحتية صحية قوية تتضمن مستشفيات مجهزة، وتدريباً مستمراً للعاملين في القطاع الصحي، وتوفير المعدات الطبية اللازمة. من خلال هذه الاستثمارات، أصبحت الدول أكثر استعدادًا للتعامل مع تفشي الأمراض الجديدة مثل جدري القرود.

ج. التعاون الدولي وتبادل المعلومات

أثبتت الأوبئة السابقة أن التعاون الدولي وتبادل المعلومات هما عنصران أساسيان في مكافحة الأمراض المعدية. من خلال التعاون بين الدول، يمكن تبادل المعلومات حول انتشار الفيروس وطرق مكافحته بسرعة وفعالية. على سبيل المثال، منظمة الصحة العالمية قامت بدور مهم في تنسيق الجهود الدولية لمواجهة الأوبئة، من خلال توفير تحديثات دورية حول انتشار الفيروس، ونشر إرشادات حول أفضل الممارسات للوقاية والعلاج.

د. التوعية العامة والتواصل الفعال

خلال الأوبئة، كانت حملات التوعية العامة أمرًا حاسمًا للحد من انتشار الفيروسات. التوعية العامة تساهم في تعريف الناس بطرق الوقاية وأهمية الالتزام بالإرشادات الصحية. في حالة جدري القرود، كان من الضروري توعية الجمهور حول طرق انتقال المرض وأعراضه، بالإضافة إلى مكافحة المعلومات المغلوطة والشائعات التي قد تؤدي إلى هلع غير مبرر أو عدم استجابة كافية.

هـ. البحث والتطوير

لعب البحث العلمي دورًا محوريًا في مواجهة الأوبئة السابقة، سواء من خلال تطوير اللقاحات أو الأدوية الفعالة. في حالة جدري القرود، هناك جهود مستمرة لتطوير لقاحات فعالة وعلاجات جديدة. الاستفادة من البنية التحتية البحثية التي تم بناؤها لمكافحة كوفيد-19 يمكن أن تسرع من تطوير حلول لمواجهة جدري القرود.

4. التحديات المستقبلية و الاستعدادات المطلوبة

رغم كل الجهود المبذولة، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه الدول في مكافحة جدري القرود. تشمل هذه التحديات عوامل مثل التنقل العالمي المكثف، والتغيرات المناخية التي قد تزيد من انتشار الفيروس، ووجود ثغرات في الأنظمة الصحية لبعض الدول.

أ. تعزيز الرقابة والمراقبة

من الضروري تعزيز أنظمة الرقابة والمراقبة الصحية لرصد انتشار الفيروس في مختلف الدول والمناطق. يتطلب ذلك تكثيف الجهود لتتبع الحالات وتحديث قواعد البيانات الصحية بشكل مستمر.

ب. دعم البحث العلمي

تحتاج الدول إلى دعم البحث العلمي المستمر لتطوير لقاحات وعلاجات فعالة لجدري القرود. ويشمل ذلك تعزيز التعاون بين المراكز البحثية العالمية وتوفير التمويل اللازم للمشاريع البحثية.

ج. التأهب اللوجستي

من الضروري أن تكون الدول مستعدة لوجستيًا لمواجهة أي تفشٍّ واسع لجدري القرود. يتضمن ذلك توفير مخزون كافٍ من اللقاحات والأدوية، وكذلك تجهيز المستشفيات والمراكز الصحية للتعامل مع الحالات الطارئة.

د. تعزيز التعاون الدولي

نظرًا للطبيعة العالمية لتفشي الأمراض، يتطلب الأمر تعزيز التعاون بين الدول والمنظمات الدولية. يجب أن تعمل الدول بشكل جماعي لتبادل المعلومات والخبرات والمساعدة في جهود الإغاثة الصحية.

خاتمة

إن تجربة الدول مع جدري القرود تقدم دروسًا هامة حول كيفية الاستفادة من الخبرات السابقة في مواجهة التحديات الصحية الجديدة. من خلال الاعتماد على الدروس المستفادة من الأوبئة السابقة مثل كوفيد-19 وسارس والإيبولا، يمكن للدول تعزيز قدراتها على مواجهة جدري القرود بشكل أكثر فعالية. إن تعزيز التعاون الدولي، وتحسين الأنظمة الصحية، ودعم البحث العلمي، كلها عوامل حاسمة للحد من انتشار هذا المرض وضمان استعداد العالم لمواجهة الأوبئة المستقبلية.

Share This Article