القطامين يكتب في حق الدكتور جعفر حسان

6 د للقراءة
6 د للقراءة
القطامين يكتب في حق الدكتور جعفر حسان

صراحة نيوز ـ د. عبدالمهدي القطامين

ما يثير الدهشة ان الكثير من نقدنا السياسي في الاردن هو نقد انطباعي اجتماعي مهجن بشيء من الموروث السلبي لمجتمع ظل طويلا يراوح بين البداوة والمدنية المعلبة لابسا عباءة التهكم المر فما ان تسأل عن شخصية سياسية او اقتصادية يكون الرد الصادم …منين هوه… في هذه اللحظة الحرجة من السؤال يتداعى الاجتماع السياسي بصورة فجة عدوانية اقرب للإقصاء من التريث في نطق الحكم .
هذه الانطباعية لم نسلم منها جميعا كمثقفين وصناع رأي عام ولعلني كنت احد من يثير هذه الاسئلة الصاخبة والإجابات المستنفرة الناقمة احيانا دون الخضوع لمنطق التحري والاستنتاج والبحث في فكر الآخر قبل اطلاق رصاصة …مين هوه؟
واذكر ان السؤال ذاته راودني عند تعيين الدكتور جعفر حسان مديرا لمكتب الملك عبدالله الثاني في المرة الأولى حتى تيسر لي على يد الصديق الدكتور هاني الملقي رئيس الوزراء الأسبق قراءة كتاب …البناء في رحم الأزمات لأتعرف اكثر على العقل المفكر عند د.حسان والذي اشهر كتابه القيم في مؤسسة عبدالحميد شومان .
واصدقكم القول ان الفكر المبثوث في اوراق الكتاب جعلني اقف معجبا فيما ورد من تحليل منطقي عقلاني يمتلك اصالة التشخيص وعمق الطرح ووضع الحلول ايضا لإشكالية اقتصاد وطني ظل يتأرجح طويلا بين الواقع والتمني بين الموارد والنفقات بين النمو والتنمية وهي ذاتها الاشكاليات التي رافقت الاقتصاد الاردني في العقدين الأخيرين وتحديدا في العقد العاصف الذي اشار لمشكله د.حسان بشفافية تامة .
يقول د.حسان ” ان الأردن تميز بشكل خاص بمرونة وسرعة تعامله مع الأزمات، مبينا أن الاقتصاد الأردني بدأ باقتصاد بسيط، وكانت الدولة هي المصدر الأساسي في الإنفاق والتوظيف وفي تحريك القطاع الخاص والإنفاق الرأسمالي، والاستثمارات معظمها من الخارج كانت على شكل تحويلات من المغتربين وكانت المساعدات تزيد في حجمها عن الإيرادات المحلية طوال عقود طويلة منذ نشأة الدولة، وهذه هي الحالة الاتكالية، حيث يتكل المجتمع والقطاع الخاص على الدولة في إنفاقها، وفي المقابل فإن الدولة تتكل إلى حد كبير على المساعدات الخارجية ” .
ويؤكد أن الحالة الاتكالية لم تكن سياسة مخطط لها، مشيرا إلى أن جميع الخطط التنموية خلال تلك الفترة كانت تتجه إلى الاستغناء عن المساعدات تدريجيا والاعتماد على الذات، ولكن هناك ما أسماه “الاستثناء الأردني”، وهو متعلق بطبيعة اقتصاد الأزمات، الذي بدأ منذ نشأة الدولة الأردنية، وهو الذي فرض الحالة الاتكالية، موضحا أنه كلما نظرت الخطط الحكومية إلى المستقبل والى سبل الخروج من الحالة الاتكالية، كانت الأزمات المتتالية تدمر هذه الخطط وتعيدها إلى الوراء، إضافة إلى نواح أخرى تتعلق بموضوع الإدارة والإرادة وطبيعة تنفيذ السياسات الاقتصادية المتعددة.
ويبين د. حسان ” إنه عندما ثبت عدم القدرة على استدامة النموذج الاتكالي اتجه الأردن مضطرا إلى إعادة ترتيب نموذجه الاقتصادي والعمل بسرعة نحو نموذج إنتاجي يعتمد على القطاع الخاص أكثر من الدولة في توفير الموارد الضرورية لتحريك الاقتصاد وتشغيل المواطنين، وهذا النموذج بدأ في نهاية الثمانينات بعد الانهيار الاقتصادي وتسارع مع مطلع التسعينات، وبدأت في تلك الفترة برامج صندوق النقد الدولي للخروج من أزمة المديونية التي وصلت آنذاك إلى حوالي 200 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وعملت الحكومات بتسارع منذ التسعينات في ذلك الاتجاه وقبل ذلك كانت في منتصف الثمانينات بدأت بخطط الخصخصة وتحويل بعض المؤسسات الإنتاجية إلى القطاع الخاص وتسارع هذا الأمر حتى مطلع القرن الحادي والعشرين حيث بدأ جلالة الملك بسلسلة من الإصلاحات ” .
ويجزم د. حسان بتحقيق نجاح كبير خلال عدد من السنوات، والذي ظهر من خلال المؤشرات الاقتصادية الإيجابية والقياسية، ولكنها لم تترجم بشكل كاف على المؤشرات الاجتماعية المتعلقة بالفقر والبطالة، مؤكدا أنه لو تمكن الأردن من الاستمرار بنسب ومؤشرات النمو التي بدأ فيها مطلع القرن الحادي والعشرين لكان بالإمكان معالجة التشوهات والاستمرار في هذا المسار التنموي، ولكن الواقع أن الأزمات المتتالية أثرت على الأردن خلال تلك الفترة وحالت دون ذلك.
ويضع د. حسان يده على بيت القصيد الذي انهك الاقتصاد وحد من تطوره وهو الإدارة وكيفية وآلية عمل الحكومات وتعاملها مع الخطط التنموية والتنفيذ ودور القطاع العام، معتبرا انه كان ” الحلقة الأضعف”، خلال العقدين الماضيين فيما يتعلق بموضوع الإصلاح الاقتصادي بشكل عام وضعف الحكومات في الانتقال من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد الانتاجي ولعل ذلك كان مقتل العديد من الحكومات التي تشكلت والتي حاولت ان تعالج اعراض المرض الاقتصادي وليس المرض بحد ذاته وظلت تراوح مكانها بحثا عن شعبية زائفة تطيل امد الحكومات دون ان تتداخل بمبضع الجراح الماهر الذي يستأصل المرض بجرأة وبدربة مع ايجاد ضوابط كابحة لحماية الطبقات الأكثر تضررا والأكثر فقرا .
في الحكومة التي كان رئيسها د. هاني الملقي ونائبة ووزير الشؤون الاقتصادية فيها د.جعفر حسان كانت المواجهة الأولى بين الرأي الشعبي المحتقن والمغرر به وبين محاولة بناء اول اصلاح حقيقي بعيدا عن الاتكالية ووضع المدماك الاول في المعالجة عبر قانون الضريبة الجديد وسبقه مشروع قانون التهرب الضريبي لكن الانطباع الشعبي الناقم وقف حائلا دون المضي في التصحيح اذ قاوم اصحاب المصالح المتنفذين المشروعين لتعلن الحكومة استقالتها على وقع حراك شعبي تغذيه لوبيات الضغط التي رأت في الاصلاح المالي تهديدا لمصالحها المكتسبة التي راجت في حقب ماضية .
اخيرا ثمة الكثير من الأجوبة التي ستظل حائرة في اتون البحث عن الخلاص من اقتصاد مأزوم لكن من المؤكد ان توافر الإرادة هو السبيل للإجابة على كل الأسئلة الحيرى وهو ما اكده كتاب البناء في رحم الازمات الذي اجزم انه الكتاب الأميز في تاريخ الاقتصاد السياسي الاردني خلال المئوية الاولى من عمر الاردن الحديث الذي شخص الاقتصاد السياسي الأردني وتداعياته ومؤشراته وعوامل ضعفه وتميزه في الكثير من الأحيان .
كاتب اردني

Share This Article