صراحة نيوز – كتب: د. عبدالمهدي القطامين
لعلّ قراءة تاريخ تشكل الدول ونهاياتها يقودنا بالضرورة الى عوامل عدة متداخلة متشابكة وحين نقرأ بعين واعية ماذا حدث في الدولة الاردنية في العقدين الماضيين فأننا سنصل الى نتيجة واحدة ان هناك خللا بنيويا واضحا فالاستدارة المفاجئة في مسار الدولة من دولة ابوية ريعية الى محاولة ان تكون دولة انتاج مع عدم امتلاك ادوات الانتاج ادى الى ردة شعبية عند اطياف واسعة من الشعب وادى الى ذوبان وتلاشي الطبقة الوسطى التي هي تاريخيا صمام امان اي مجتمع ووفق المنهج التحليلي التفكيكي دعونا نرى ما الذي حدث ولماذا ؟
تاريخيا اعتمدت الدولة الاردنية في موازناتها على المساعدات التي كانت تجيء من دول خليجية شقيقة وكانت تشكل حبل النجاة لموازنات الدولة فيتم استثمارها في البنى التحتية والتصنيع والتوظيف ما ادى الى بحبوحة عيش لاطياف مجتمعية واسعة لكن وفي مطلع التسعينيات توقفت تلك المساعدات او بمعنى ادق قلت فبدأ البحث عن البديل لسد العجز في الموازنات فكان التوجه نحو الخصخصة التي وفرت اموالا كثيرة لكنها لم تدار وفق خطة استثمارية ناجحة ما ادى الى نضوبها بسرعة غير متوقعة
وقد ذهب بعض عوائد الخصخصة لسداد ديون خارجية في محاولة لتخفيض فوائد تلك الديون وهنا اصبح ظهر الدولة مكشوفا مثلما هو ظهر المواطن فتم اللجوء مرة اخرى للديون وفق وصفة المؤسسات المقرضة وهذا احد اسباب ارتفاع الديون على الدولة الى مستويات قياسية وتضاعفها عدة مرات ثم بدأت سياسة اقتصادية متمثلة بفرض ضريبة المبيعات وضريبة الدخل ورسوم متعددة طالت كل مرافق الحياة
ما مر به الاقليم من احداث وصراعات بدءا من الازمة المالية العالمية والربيع العربي وكورونا القى بتبعات اقتصادية ثقيلة على الاقتصاد الاردني المترنح اصلا الامر الذي بدل اولويات الانفاق اكثر من مرة واجل مشاريع ملحة اخرى وهدد مشروع الحماية الاجتماعية الذي بدء بتطبيقه على الاسر الهشة وكل هذا رفع من وتيرة الاحتقان الشعبي وساهم في احداث فجوة كبيرة بين الناس وصناع القرار وتأرجحت الثقة في كل الحكومات التي لم تملك قدرة على اجتراح حلول اقتصادية خارج اطار فرض الضرائب والتوسع في الاستدانة ااداخلية والخارجية.
السؤال المهم …هل هناك ضوء في نهاية النفق ؟ وهل تمتلك هذه الحكومة الحسانية ان تبدل الحال ولو قليلا نحو انفراجة اقتصادية؟
لعل الجواب لا ينحصر في نعم او لا ولكنه يقع بينهما فالتفكير خارج المألوف هو المطلوب في هذه اللحظة الوطنية التاريخية ولعلني احد المتفائلين بقدرة الرئيس حسان استنادا لدراسته العلمية في مجال الاقتصاد على احداث ولو خلخلة بسيطة في الاقتصاد الذي اسماه هو البناء في رحم الازمات فنحن في حبلها السري الان وليس في رحمها فقط.
نحتاج وقتا طويلا …. ادرك ذلك ولكن المهم ان نبدأ اولى الخطوات فمن اراد المشي عليه ان يتعلم الوقوف اولا وتعلم الوقوف يبدأ من تعلم الثبات وهذا تحد امام هذه الحكومة الجديدة لتثبت انها قادرة على البناء في الازمات.
ننتظر ونرى ونأمل.
وبالمناسبة ابارك لرئيس الحكومة واعضاء فريقه الوزاري وقد استبشرت خيرا بعد ان التقى رئيس الحكومة بالامناء العامين للوزارات ففي الفترة الاخيرة انقسمت اغلب الوزارات وظيفيا واداريا واداء الى جماعتين جماعة الوزير وجماعة الامين وبينهما كان الطحن الاداري وقد آن الاوان ليتفرغ الوزير للقضايا الاستراتيجية بعيدا عن التنقلات والترفيعات والاجازات وادارة كادر الوزارة فتلك من صميم وظيفة الامين العام.