صراحة نيوز – آلاء قطيشات
في مثل هذا اليوم، السابع من أكتوبر، قبل عامٍ كامل، اندلعت حرب غزة في واحدة من أكثر الأحداث تراجيدية في التاريخ المعاصر. ولكن بعيدًا عن معاناة الضحايا والدمار الذي خلفته الحرب، هناك واقع سياسي بالغ التعقيد يدور في فلك هذا الصراع المستمر منذ عقود. حرب غزة لم تكن مجرد مواجهة عسكرية بين طرفين، بل كانت تتويجًا لصراعٍ إقليمي ودولي معقد، حيث تختلط المصالح الاستراتيجية بالصراعات القومية، لتصبح غزة، كما كانت دائمًا، ساحة لتصفية الحسابات السياسية.
الحسابات الإسرائيلية: استعراض القوة والهروب من الأزمات الداخلية
بالنسبة لإسرائيل، حرب غزة جاءت كفرصة لاستعراض القوة والتأكيد على التفوق العسكري في المنطقة. في ظل أزمات داخلية تعصف بالحكومة الإسرائيلية وتوترات سياسية داخلية مستمرة، كان استهداف غزة بمثابة محاولة لتوحيد الجبهة الداخلية حول مفهوم “الأمن القومي” والإبقاء على الخطاب القائم على “مواجهة الخطر” الذي يشكله الفلسطينيون. لم تكن غزة بحد ذاتها الهدف، بل كانت أداة لإظهار قدرة إسرائيل على السيطرة التامة وقمع أي حركة تعتبر تهديدًا للوضع الراهن.
لكن هذه الحرب أيضًا كشفت عمق الأزمات الإسرائيلية. فرغم القوة العسكرية الهائلة، لم تستطع إسرائيل تحقيق نصرٍ استراتيجي. المقاومة في غزة، رغم أنها أقل تسليحًا، أظهرت قدرة على الصمود والبقاء، مما ألقى بظلالٍ ثقيلة على فكرة “الردع الكامل”. هذا الفشل الاستراتيجي زاد من التوترات داخل المجتمع الإسرائيلي وفتح الباب أمام تساؤلات حول جدوى هذه الحروب المتكررة.
المقاومة الفلسطينية: صمود في وجه العواصف
بالنسبة لفصائل المقاومة في غزة، كانت الحرب معركة بقاء وكرامة وطنية. هذه المقاومة لم تكن مجرد رد فعل على العدوان الإسرائيلي، بل كانت تجسيدًا لصمود شعب قرر أن يُقاوم رغم كل الظروف. في قلب الحصار والدمار، كانت غزة تُسطر معاني البطولة، حيث وقف المقاومون بعتادهم المتواضع في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية المتطورة، ليُثبتوا للعالم أجمع أن الإرادة الحرة لا تُقهر، مهما كانت قوة العدو.
على الرغم من كلفة الحرب الباهظة، إلا أن المقاومة الفلسطينية نجحت في توجيه رسالة واضحة: غزة لن تنحني، وأن الصمود أمام هذا العدوان هو خيار لا بديل عنه. هذا الصمود أعاد للقضية الفلسطينية زخمها، وأظهر أن الاحتلال لن يفرض إرادته بالقوة، وأن الشعب الفلسطيني لا يزال متمسكًا بحقه في الحرية والاستقلال، رغم كل محاولات القمع والإبادة.
إن غزة اليوم باتت رمزًا عالميًا للصمود والمقاومة، ووجهًا مشرفًا للشعوب التي تناضل من أجل حريتها. هذه المدينة التي تتحدى الموت كل يوم، تظل شاهدة على أن القوة ليست في السلاح فقط، بل في إيمان الإنسان بقضيته وقدرته على المقاومة مهما كانت الظروف.
المواقف الإقليمية والدولية: ازدواجية المعايير
ما يجعل السابع من أكتوبر أكثر تعقيدًا ليس فقط الحرب نفسها، بل التفاعل الدولي والإقليمي معها. في الساحة الدولية، لطالما كانت القضية الفلسطينية موضوعًا حساسًا بين القوى الكبرى. الولايات المتحدة، الحليف الأكبر لإسرائيل، كانت وما زالت تدعم بلا حدود أي عملية عسكرية إسرائيلية تحت شعار “حق الدفاع عن النفس”. هذا الدعم غير المشروط يجعل من واشنطن شريكًا مباشرًا في إطالة أمد الصراع، إذ تمنح لإسرائيل الغطاء السياسي والدبلوماسي اللازم لشن حروبها دون خوف من المحاسبة.
أما على المستوى الإقليمي، فقد كشفت حرب غزة عن تغيرات عميقة في التوازنات السياسية. في الوقت الذي باتت فيه بعض الدول العربية تطبع علاقاتها مع إسرائيل بشكلٍ غير مسبوق، كانت غزة تدفع ثمن هذه التحولات السياسية. تطبيع العلاقات لم يكن مجرد تبادل دبلوماسي، بل هو تغيير في موقف الدول العربية تجاه القضية الفلسطينية، حيث أصبحت المصالح الاقتصادية والاستراتيجية تفوق في أهميتها الالتزام التاريخي بدعم القضية. ورغم البيانات الشاجبة التي أصدرتها بعض الدول، إلا أن الفعل الحقيقي على الأرض كان غائبًا.
غزة في قلب الصراع الدوليّ
في الذكرى السنوية الأولى لحرب غزة، يتضح أن الصراع في غزة ليس صراعًا محليًا فقط، بل هو جزء من توازنات قوى إقليمية ودولية معقدة. وفي ظل هذا المشهد، يبقى السؤال الكبير: إلى متى ستظل غزة رهينة لهذه الحسابات السياسية؟ وما هو الثمن الذي سيدفعه العالم جراء إدامة هذا الصراع دون حلٍ عادل؟
إن السابع من أكتوبر ليس مجرد ذكرى حرب، بل هو ذكرى لواقع سياسي مريض، تتنازع فيه المصالح على حساب حياة البشر. وبينما يجلس السياسيون في قصورهم الفخمة يناقشون مستقبل المنطقة، تظل غزة تئن تحت وطأة الحصار، والدمار، وفقدان الأمل. وحتى تتحقق العدالة، سيبقى جرح غزة مفتوحًا، وسيبقى العالم يتساءل: متى تنتهي هذه الحلقة المفرغة من الدماء والسياسة؟