من مستشفيات للعلاج إلى مقابر للدفن

3 د للقراءة
3 د للقراءة
من مستشفيات للعلاج إلى مقابر للدفن

صراحة نيوز – يوسف الفقهاء

تعيش مستشفيات شمال غزة مشاهد صادمة لم تصل إليها حتى في أحلك الظروف؛ فقد تحوّلت هذه المرافق من مراكز للرعاية والعلاج إلى مواقع للموت البطيء تحت وطأة حصار صارم وأوامر إخلاء تجبر المرضى والطواقم الطبية على ترك المستشفيات رغم حاجة المرضى الماسة للرعاية.

في أحد مستشفيات جباليا، تكتظ الغرف بالمرضى الذين يرقدون على أسرة متهالكة وسط نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية. في قسم العناية المركزة، لا يتوفر سوى ثلاثة أجهزة تنفس لما يزيد عن عشرين مريضًا في حالة حرجة، ما يضطر الأطباء لاتخاذ قرارات صعبة بتخصيص الأجهزة للحالات الأكثر خطورة، فيما يتنفس الآخرون بصعوبة، منتظرين نفاد الوقت. أحد الأطباء يقول: “نشاهد الموت كل يوم بأشكال مختلفة. لدينا مرضى أعمارهم أقل من عام، لكن ليس هناك ما نقدمه لهم”.

يتكدس المرضى في الأروقة، حيث تفترش عشرات العائلات الأرض بلا أي تجهيزات، بعد أن أجبرت على مغادرة منازلها بفعل القصف. وفي زاوية أخرى، يحاول الأطباء تقديم إسعافات أولية للأطفال المصابين بجروح وشظايا، بينما تنعدم المواد المعقمة والأدوية المسكنة. تقول ممرضة في قسم الطوارئ: “نحن نعمل بأقل الإمكانيات، وكل ما نفعله هو محاولات يائسة لتخفيف آلام الناس. الأطفال يبكون، والكبار في حالة صدمة”.

منذ بدء الحصار الأخير، فرضت سلطات الاحتلال قيودًا صارمة على دخول الإمدادات الطبية والأغذية إلى شمال غزة، ما جعل المستشفيات عاجزة عن التعامل مع هذا العدد الهائل من المصابين. ويقول أحد الأطباء: “حتى مياه الشرب أصبحت قليلة، ولا يمكننا تنظيف الجروح بشكل كافٍ. تفشت العدوى بين المرضى، وأصبح المستشفى مصدرًا للعدوى أكثر منه للعلاج”.

تفاقمت المأساة بعد صدور أوامر بإخلاء بعض المستشفيات الرئيسية في شمال القطاع، ما أجبر الطواقم الطبية على المغادرة وترك المرضى وراءهم. في مشهد مؤلم، تركت الكوادر الطبية خلفها أجهزة طبية وأدوية محظورة الوصول إليها. ويصف أحد العاملين في الهلال الأحمر: “نحن نرى مشاهد لا تُنسى؛ جثث مرمية في الأروقة، مرضى يعانون وحدهم بعد مغادرة الطواقم، ولا نجد طريقة للوصول إليهم”.

تحاول فرق الصليب الأحمر وغيرها من المنظمات الإنسانية إيصال الإمدادات، لكنها تواجه صعوبات في الوصول إلى المنطقة. مصدر في الصليب الأحمر أكد: “نواجه عراقيل عديدة، ونتلقى تقارير مروّعة عن أوضاع المرضى الذين تركوا دون رعاية”.

في الخارج، يفترش عشرات المدنيين الشوارع، بلا طعام أو مأوى، في حالة تفتقر لأبسط شروط الحياة الكريمة. يصف أحد النازحين الحال قائلاً: “لقد خرجنا من بيوتنا دون أن نأخذ معنا شيئًا. الأطفال يبكون جوعًا، ولا نجد ما نعطيهم، في وضع أسوأ من الموت نفسه”.

إن هذه المشاهد المروعة تُحمل الجهات الدولية الإنسانية مسؤولية عاجلة لتأمين الإمدادات الطبية والطعام والماء، وفتح ممرات آمنة للوصول إلى المستشفيات وتقديم الرعاية اللازمة للمدنيين المنكوبين، حتى لا تتحول المستشفيات في شمال غزة إلى مقابر مكتظة تحت أنظار العالم.

Share This Article