صراحة نيوز- بقلم محمد جمعة الخضير
انصراف تكوينات اجتماعية بعينها لأعمال ذات طابع مشترك، يجمع توجهها أساس عقائدي أو مناطقي أو طبقي أو عرقي في أغلب الأحيان، يعود لما هُيّئ لها من فرص عمل خضعت في جُلّها لعوامل ثقافية ذات منشأ تاريخي ، هذه العوامل كانت مُحددة في تشكيل معايير توجهاتهم الثقافية تارةً، وفي توهّم البعض منهم بلعب أدوار خيّم عليها مزيج هائل من تداخل العاطفة وجذور الانتماء والوعي الزائف، ما منح ثقافة سلوكهم صورةً ترى تلك الأصناف من العمل كقيمة معنوية أكثر منها مادية.
هذه الصورة وما تخفيه من تشققات ، نُحتت وتشكّلت في ذاكرة جمعية، تسرّب إليه خلسه ضياء خافت من الوعي كان كافيًا لإيقاظ مَن امتلك قدرة الاستجابة للانتفاض على أوهام تساكن معها ووجد فيها سلوى وتبريرًا لفقره وبؤسه المتوارث ، لكن المعلم الأصدق الزمن ، بدورته القاسية صحّح تلك الأوهام لتغدو المعادلة أوضح مع كل مرحلة احتكاك تنبثق منها صدمة الوعي بمُجريات المصالح الواقعية وما أصاب ما خزن في الذاكرة من أدوار تلاش خطر ضرورة أهميتها.
هذه الصدمة تهشّم الأسطورة الكامنة في ذواتهم نتيجة تحوّل جزء ممّا اتّكأت عليه دوافعهم وأفكارهم إلى رمادٍ في مواجهة حقائق حول ما عمل عليه وهمهم وبنوا عليه قناعاتهم، والتي أصبحت عاجزة عن التعامل مع زوابع التغيير المُعلَنة هنا وهناك إلا أن الإعلان الأخير كان الإجراء الذي عرض نفسه على مسرح الواقع، كاشفًا ما كان مُغَطى، ليحرّك ما كان ساكنًا ويفجّر في الذاكرة أشياء لم يُرِد الكثير استدعاءها رغم شعورهم القلق بها
فقد عمل ذلك الكشف على تعرية حقائق تُظهِر تباعًا اضمحلال فرص فريق المنشأ التاريخي، الذي بات يشكك حتى في ما حمله ذلك التاريخ إليه من سرديات جعلت أصنافًا من الأعمال – في نظره – حكرًا لقداستها لا لنفعها ، إنّ كل هذه الصدمات كافية لإعادة فتح جرح أحسبه نازفًا، حين يُنظر إلى بعضهم في أحيان ليست بالقليلة كعبء، مما يُدلل على حجم ما حدث من تباينات بين مختلف الفرق.
غير أنّ الجامع بينها وقوفها على أرضية هشّة قابلة للانزلاق، بسبب القفز عن قضية القضايا: الهوية، وما تستوجبه من أُطُر وسياسات ومحاذير وامتيازات بذلك، يبقى السؤال الكبير “من أنا؟ من نحن؟” معلّقًا بين الخشية والتجاهل، لتتوارى تحت ظلاله صراعات تُشعلها كل لحظة مواجهة تُعرّي حقائق غير قادرة على تحمّل أعبائها ولا تملك المناعة لتحمل آثارها.
ويزداد الأمر تعقيدًا بين الأشقاء ، عند استدعاء الهويات المجزوة لأغلب الأطراف في مراحل الاحتكاك وتحويلها إلى أدوات للتعبئة السياسية والاصطفاف، ويتم توظيفها في توجهات العمل وفرصه، لتحجب مفاعيلها فريقًا عن فريق في خطوط متوازية لا مدى كافي أن يلتقوا.
بحالة بلغ مؤداها تفتيت وتمزيق أي محاولة لإعادة صهر كل تلك الفرق في بوتقة المواطنة الفاعلة سلوكًا ونهجًا وفكرًا تتضآل معها فرص التغيير المرتجى وتمنع أن تتبلور وتنضج حالة من الصيرورة والاستدامة في البناء والتطور الذي يستقي منها عوامل النهوض من وحدة المصير والهدف والقضية والأمل
لتُصهر كل الطاقات الإنسانية المهدرة في بوصلة لا تحيد ولا تنقلب على نفسها، لتبقى قادرة على النهوض ومقاومة كل الأوبئة القادمة من أغلب تلك الفرق الواقفة على أرضية هشّة بوعي زائف في انتماءات صورية، بعضها لا يمتلك شرعية ولا مبررات للبقاء …
محمد الخضير…