صراحة نيوز- بقلم / محمد الخضير
محاولة خلق أزمة في الهوية تحت غطاء أنها “جامعة”، مع إسقاط الإطار الحضاري والبناء الثقافي والمعرفي المرتبط بجذور المجتمع وتنوعه وثراء تعبيراته الثقافية الممتدة في تربته الوطنية، تعتبر محاولة تتعارض مع النواميس الإنسانية التي صاغت الهويات الاجتماعية عبر السنين خلال رحلتها لاكتشاف الوعي بذاتها بما أتيح لها من معرفة في أداء دورها وتطورها عبر تنظيم نفسها في سياق الدولة وصولاً إلى شكل الدولة الوطنية ذات الهوية الوطنية الواحدة المنبثقة من كيمياء الواقع الاجتماعي وتراكم تفاعله على مدار عقود من السنين، بما أفضت إليه شرعية تفاعله من وحدة النسيج الاجتماعي، في بوتقة هويته الوطنية الحاملة لاسم وطنه دون إسقاطه من عنوانه المعبر عنه تحت ذريعة مسمى الهوية الجامعة .
التي تحمل من السقاطات الكثير من التميع والتناقض وعدم التماسك، ما يتصادم مع الديمومة والصيرورة في حالة استمرارية نمو الهوية، بالإضافة إلى الإيحاء بالاقتلاع والإحلال هذه الرسائل تلعب دوراً مقلقاً ومزعجاً ومثيراً للاستياء، خاصة عندما تصدر عن كبار الموظفين أو من بقالات الكتبة ، فالهوية بطبيعتها لا تقبل الاجتزاء أو الاستئصال من عمقها الاجتماعي
إذ إنها ليست مجرد إطار شكلي ينظمه قرار إداري أو رغبات مصلحية، بل هي قيمة وجدانية ، وثمرة تفاعل التاريخ والإنسان في صياغة الوجود الإنساني، وهي تعبير عن تميازه بما تعنيه للفرد والمجتمع من قيم مرجعية لسلوك ودافع حضاري
فتلويث المكونات الأساسية للهوية التي تشكلت بفعل التراكم التاريخي والحضاري، سواء تمثل في الانتماء العقائدي أو القومي أو الجغرافي، يشكل تهديداً خطيراً يضيف مزيداً من الحطب لإشعال الصراعات في أعماق المجتمع، ما يهدده بالانشطار على كل ما له أصل عامودي فيه، سواء اتسع الاعتبار لما فوق الوطني بالتمييع لتمرير، أو ضاق لما دونه، مما يدفع نحو هاوية التمزق والصراع الداخلي على المدى المنظور بين الأفراد والجماعات أي إن تلك الرسائل ” حمالة حطب ” وآثارها تعمل على تصوير الهوية كإطار منسلخ عن الواقع الاجتماعي
وهذه محاولة تقويض الأسس التي أسهمت في صياغتها وتشكلها ، والتاريخ مليء بالدروس والعبر عن النتائج السلبية الناجمة عن مثل هذا العبث لفكرة الإنسان وهويته، التي تمثل الوعاء الحاضن لأمن الإنسان في سياق متسق مع إطار يحقق التماسك الوطني، لا أن تُجزأ وتُختزل أو تنزع روحها لصالح ” مفهوم جامعة ” فوق كينون الوطن ذلك يشظي حالة الاندماج الوطني، بالإضافة إلى الإسهام في خلق قوالب اجتماعية هشة ومتعددة الأشكال والأغراض، قاسمها المشترك التناقض والتناحر والإقصاء ..