صراحة نيوز – كتب ماجد القرعان
من المعلوم ان مجلس الأمة يتشكل من مجلسي الأعيان والنواب ويجب ان لا يتجاوز عدد الأعيان نصف عدد النواب ويتم اختيار اعضاء الأعيان في ضوء تنسيب الأسماء لجلالة الملك من قبل شخصيات وازنة في قمة المرجعيات العليا وعليه يتم اصدار ارادة ملكية سامية بقبول عضويتهم وللانصاف فإن من يتحمل مسؤولية اختيارهم من قام بتنسيبهم وليس جلالة الملك ولا ننكر هنا ان بينهم شخصيات وطنية في مستوى المسؤولية لكن والحق يقال اننا نلمس بوجود محددات لأدائهم .
وفقا للدستور فان مهام الإعيان هي ذات مهام النواب ( الرقابة والتشريع ) غير ان النواب يتحدثون بصفتهم ممثلي الشعب في مجلس الامة فيما الأعيان يتحدثون باسم جلالة الملك لتكتمل حلقات المراقبة والتشريع كما نص عليها الدستور وبالتالي فالإعيان هم بمثابة عيون الملك في مجلس الأمة وهو ما سبق واشرت اليه في مقال كتبته في عام 2018 بعنوان (أين نحن من عيون الملك ؟ ) لكن هيهات … لقد أسمعت إذ ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تُنادي .
وللتوضيح أكثر ما بين اليوم والبارحة اقتبس مما قلته في المقال السابق ان واقع الحال الملموس منذ سنوات طويلة ان المشهد يقول خلاف ذلك حيث لم يسجل تاريخ مجالس الأعيان الا حالات نادرة في ممارسة جانب الرقابة على الحكومات تحديدا ( سيتم تناولها في مقالة اخرى ) لا بل ان الملموس لعامة الناس ان وجودهم في مجلس الامة هو لدعم برامج الحكومات .
وأن دعم الأعيان للحكومات يظهر بصورة واضحة خلال الجلسات المشتركة التي يتم عقدها حين يحدث خلاف مع النواب على مشروع قانون معين وتضم الجلسة المشتركة اعضاء الغرفتين لكن الكفة الراجحة تكون دائما للأعيان ويكون القرار في الغالب لصالح المشروع كما جاء من الحكومة أو كما اصبح في ضوء التعديلات التي ادخلها الأعيان على المشروع والتي تكون ايضا كما تريد الحكومة .
أما البارحة وتحديدا يوم كان رئيس الوزراء الأسبق الشهيد وصفي التل عضوا بمجلس الأعيان فالأداء كان مختلفا بل منسجما بصورة واضحة مع مهام ووجبات الأعيان دستوريا وهو ما ذكر به جلالة الملك في خطاب العرش يوم افتتح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة العشرين وأقتبس هنا ما قاله جلالته بالخصوص :
ولا بد من الإسراع في تحديث القطاع العام، وصولا إلى إدارة عامة كفؤة وقادرة على تقديم الخدمات النوعية للمواطنين بعدالة ونزاهة. وهذا نهج يجب أن يلتزم به كل مسؤول وموظف.
وعليكم، نوابا وأعيانا، واجب الرقابة من أجل ضمان تنفيذ مسارات التحديث، فلا خيار أمامنا سوى التقدم لخدمة أجيال الأردن ومستقبله.
تاليا مقتطفات من مداخلة للشهيد وصفي التل خلال جلسة لمجلس الأعيان في عام 1969
“.. من هنا جاءت قصص رخص سيارات الديزل ورخص التركات ورخص قطع الغيار وإعطاء التعهدات وتعيين المحاسيب والأنصار بغض النظر عن أهليتهم أو كفاءتهم، ومع هذه القافية جاءت قصص الرز والسكر والجوازات وتعهدات الأسفلت وأموال القسم التجاري وكوموسيونات المشتريات، ووصلت الأمور حدّاً دفع بأحد السادة الوزراء إلى كتابة كتاب رسمي بموضوع بالذات طالباً من رئيس الوزراء معالجة الموضوع ولم يتخذ أي إجراء على هذا الكتاب..”.
“.. من أوجه هذا الهدم وهذا النكران للجميل التشكيك بقيم هذا البلد وبمستقبله والاستهانة بقوانينه وأنظمته، واعتبار ماله وموارده وتقاليده وأصوله ومصادر رزقه مالاً مباحاً كأنما تخص مال إنسان ميت لا عزوة له..”.
“.. آثار هذه المعالم المؤسفة وتفاصيلها يعرفها القاصي والداني، هذه المعرفة أنتجت لا أبالية عامة وميوعة في أجهزة الدولة وتصاعدت نتيجة لذلك كل عوامل الفساد والانحلال في كل مجال، هذا التصاعد حتى في أيام السلام والدعة يكفي لتقويض مجهود أي دولة فما بالنا ونحن في معركة يفترض أن تتحول الحكومة عندنا إلى مستوى الأنبياء والصحابة بسبب قداسة المصير وقداسة معركة المصير..”.
“..على الحكومة ألا تفسر الانضباطية التي يتحلى بها هذا البلد على أنها خوف أو جهل أو عدم معرفة. النقمة وصلت إلى كل مواطن سواء كان فلاحاً وراء محراثه أو جندياً في خندقه. إن مراد هذه الانضباطية التي هي من شيم البلد هو رغبة كل مواطن ألا يشوش على حكومة ولاها جلالة الملك من جهة، ومن جهة أخرى تقديراً من كل مواطن لدقة الظرف وحرج الأحوال”.
“على ماذا نصوّت؟ على سياسة الإبداع في تخريب هذا البلد والإبداع بالسير به نحو الهاوية والإبداع بالتشهير به وبأهله ومؤسساته أثناء التبجحات المعروفة لأركان الحكومة في حفلات السراب والطبيخ، في وسعي أن أستطرد إلى ما لا نهاية في تعداد عشرات المآخذ والمثالب. في وسعي تعداد انحرافات ورشوات تبلغ قيمتها مئات الألوف وربما الملايين من الدنانير..”.
“كان هذا البلد مضرب المثل في حسن استخدامه لموارده المحدودة وفي نظافة أجهزته وحزم إدارته. الرشوة والميوعة و(شلة الحكومة) جعلت منا موضع غمز ولمز لا يرضاها مخلص..”.
“.. البلد لا يستحق سوى الأجلاء الأعزاء رغم تآمر اللاأبالية والفساد على سمعته. لقد أوصلت هذه الحكومة الأمور في هذا البلد الطيب إلى درجة من الفوضى والهوان والفساد حداً لا يصح السكوت عليه كائنة ما كانت الظروف..”.
“.. الذين يعتقدون أن هذا البلد قد انتهى واهمون، والذين يعتقدون أن هذا البلد بلا عزوة واهمون كذلك، والذين يتصرفون بما يخص هذا البلد كأنه (جورعة) مال داشر واهمون كذلك، والذين يتصرفون كالفئران الخائفة على سفينة في بحر هائج سيغرقون هم كما تغرق الفئران وستبقى السفينة تمخر العباب إلى شاطئ السلامة..”.
“لا مكان للفساد ولا مكان للرشوة.. ولا مكان لتلون وجوه الميدان فقط للصابرين الصادقين.. ذوي الرأي الجريء الصريح..”.
اكرر هيهات … لقد أسمعت إذ ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تُنادي .
وختاما يحضرني في هذه السردية العديد من الشخصيات الوطنية ممن لا ترتجف اياديهم ولا يخشون في قول كلمة الحق لومة لائم الذين لعضويتهم في مجلس الأعيان نكهة خاصة يتقدمهم صاحب البندقية المذخرة دائما دفاعاً عن الوطن وثوابته دولة رئيس المجلس فيصل عاكف مثقال الفايز ولا ننسى في هذا المقام من أعضاء المجلس الحالي أصحاب المعالي جمال الصرايرة ورجائي المعشر وتوفيق كريشان وزياد فريز وعاكف الزعبي والمهندس عبدالرحيم البقاعي ورجل الأعمال عيسى مراد والجنرالات محمود فريحات وحسين الحواتمة وفاضل الحمود وكذلك المرحومين من مجالس سابقة الشيخ نوفان السعود ومحمد عودة القرعان وحسن الكايد ونذير رشيد وضيف الله الحمود ومضر بدران وسعد جمعة والذين بوجه عام لم نعهد فيهم سوى المواقف الوطنية المشرفة لا يتقنون التزلف والمراوغة والمزاودة او المتاجرة على حساب الوطن او التقلب وفق اهواء او مصالح ضيقة .