هل يمكن عزل الموازنة الأردنية عن ضغط الديون الخارجية من خلال صندوق يتم تغذيته من الثروات الطبيعية في الأردن ؟!

6 د للقراءة
6 د للقراءة
هل يمكن عزل الموازنة الأردنية عن ضغط الديون الخارجية من خلال صندوق يتم تغذيته من الثروات الطبيعية في الأردن ؟!

صراحة نيوز- بقلم د.مصطفى التل

 

ارتفاع قيمة الدين الخارجي في الأردن مؤشر حيوي على أن كل سياسات التقشف والحد من الدين الخارجي التي اتبعتها الحكومات لم تجدي نفعاً و لم تؤدّ إلى إنتاج معادلة تؤدي الى التخفيف من الاستدانة, فضغط الديون الخارجية على الموازنة الأردنية يتضّح من خلال :

أولا: عجز الموازنة: حيث أن الموازنة الأردنية تعاني بشكل دائم من العجز الذي يعني باختصار أن النفقات تتجاوز الإيرادات , ويتفاقم العجز بوقوع الموازنة تحت خطر سداد الديون الخارجية مما يضطر الحكومة إلى الاقتراض بشكل متزايد ، وهو الأمر الذي يفسّر سبب ارتفاع الدين بشكل مضطرد , إن علمنا أنّ معظم الاستدانة تذهب لدفع فوائد الديون وليس اصلها او ما يسموه بخدمة الديون .


ثانيا: ارتفاع مستويات الدين: شهد الأردن زيادة ملحوظة في مستويات الدين العام، بما في ذلك الدين الخارجي. هذا الدين يشكل عبئًا على الموازنة، حيث يتطلب سداد فوائد وأقساط، مما يقلل من الموارد المتاحة للإنفاق على الخدمات العامة والمشاريع التنموية.


ثالثاً : تأثّر الموازنة الاردنية بتقلبات اقتصادية خارجية :: حيث تتأثر الموازنة بالعديد من العوامل الخارجية، مثل تقلبات أسعار النفط، والأزمات الاقتصادية العالمية، والتغيرات في المساعدات الخارجية. هذه العوامل تؤثّر على الإيرادات الحكومية وتستهلكها , مما يعني زيادة الضغط على الموازنة في سبيل خدمة الدين الخارجي واجهادها في السداد .

رابعا: ازدياد التحديات الاقتصادية المحلية مثل البطالة، وارتفاع معدلات الفقر، وتراجع الاستثمارات. هذه التحديات تؤثر على قدرة الحكومة على زيادة الإيرادات من الضرائب، كنتيجة طبيعية لارتفاع الدين الخارجي، بحيث تزداد التزامات سداد الديون، مما يضغط على الموازنة ويجعل من الصعب تخصيص الأموال للخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.

 

 

والسؤال الذي يتبادر الى الذهن , كيف نستطيع عزل الموازنة عن ضغوط الديون الخارجية ؟! وما تأثير ذلك ان حصل ؟!


للوهلة الأولى يبدو أن عزل الموازنة الأردنية عن ضغوط الديون الخارجية يعد تحديًا كبيرًا، حيث تعتمد الموازنة بشكل متزايد على الدين العام والمساعدات الخارجية, وبالتالي أي محاولة في هذا الاتجاه , تبدو صعبة جدا .

ولكن هل هذا ممكن رغم صعوبته؟! نعم ممكن , ولكن بشرط أن يتخلّى الفريق الاقتصادي الحالي عن اطاره الذي أحاط نفسه به , وأجبر نفسه اجباراً بالتحرك داخله , وعليه الخروج الى خارج الصندوق والنظر من أعلى لا من خلال الصندوق الذي حشر نفسه بداخله .

 

إنشاء صندوق لسداد الديون الخارجية الأردنية يمكن تغذيته من إيرادات الغاز المكتشف والنحاس والثروات الطبيعية الأخرى , يمكن أن يحقق هدف عزل الموازنة عن ضغط الديون الخارجية , مع تحقيق الفوائد التالية :

أولا : توفير موارد مالية مستقلة للدولة الأردنية من خلال تغذيته بإيرادات من الغاز المكتشف والنحاس والثروات الطبيعية الأخرى , هذه الإيرادات تكون مستقلة عن الميزانية العامة، مما يعني أنه يمكن استخدامها بشكل خاص لسداد الديون دون التأثير على النفقات العامة هذا من جانب .

ومن جانب آخر , من خلال تخصيص جزء من إيرادات الموارد الطبيعية مباشرة للصندوق، يمكن ضمان وجود تدفق مالي مستمر يُستخدم لسداد الديون، مما يقلل من الحاجة إلى الاعتماد على الضرائب أو الاقتراض الإضافي.

 

ثانيا : تقليل العبء على الميزانية العامة من خلال تخفيف الضغط المالي فعندما يتم استخدام إيرادات الصندوق لسداد الديون، فإن ذلك يقلل من العبء المالي على الميزانية العامة. هذا يعني أن الحكومة يمكن أن تخصص المزيد من الأموال للنفقات الاجتماعية والتنموية بدلاً من سداد الديون.
وبالتالي يتم تحقيق هدف تحسين التصنيف الائتماني للأردن من خلال تقليل مستويات الدين السيادي ، مما يؤدي إلى خفض تكاليف الاقتراض في المستقبل ان تم اللجوء اليه كحالة اضطرارية .

ثالثا : تحقيق الاستقرار المالي من خلال عزل الميزانية عن تقلبات السوق بوجود صندوق مخصص، حيث يُمكن أن يعزل الميزانية عن تقلبات أسعار السلع الأساسية. مما يوفر استقرارًا ماليًا , مع امكانية استخدام الصندوق في عملية ادارة المخاطر المرتبطة بالديون، بحيث يمكن استخدام الإيرادات في أوقات الازدهار لسداد الديون في أوقات الركود.


رابعاً : تعزيز التنمية المستدامة من خلال الاستثمار في المشاريع التنموية بحيث يمكن أن يُخصص جزء من إيرادات الصندوق للاستثمار في مشاريع تنموية، مما يعزز النمو الاقتصادي ويزيد من الإيرادات المستقبلية. الأمر الذي سينعكس في تقليل الاعتماد على الديون في المستقبل.
الأمر الذي سيؤدي الى تحسين الخدمات العامة من خلال تخفيف الضغط على الميزانية، فيمكن للحكومة تحسين الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، مما يعزز جودة الحياة للمواطنين . ويرفع معيشتهم .


خامساَ : الصندوق سيمكّن من التخطيط المالي طويل الأمد من خلال وضع استراتيجية طويلة الأمد لسداد الديون بوجود الصندوق ، مما يضمن أن الحكومة لديها خطة واضحة للتعامل مع التزاماتها المالية.


في النهاية إنشاء صندوق لسداد الديون السيادية يتم تغذيته من الثروات الطبيعية المكتشفة في الأردن , يمكن أن يكون أداة فعالة لعزل الميزانية عن ضغط الديون. من خلال توفير موارد مالية مستقلة، وتقليل العبء على الميزانية العامة، وتحقيق استقرار مالي، وتعزيز التنمية المستدامة، يمكن أن يسهم الصندوق في تحسين الوضع المالي للدولة بشكل عام, وهذه هي الأهداف التي تسعى لها جميع الحكومات في الأردن

Share This Article