صراحة نيوز – آلاء قطيشات
لا تزال قضية اللحوم الفاسدة، التي هزت الشارع الأردنيّ، تسلط الضوء عَلى تواطؤ الجهات المسؤولة وصمتها غير المُبرر تجاه قضية تهدد صحة ملايين المواطنين.
تفاصيل القضية بدأت تتكشف مع إعلان المؤسسة العامة للغذاء والدواء عَن ضبط 25 ألف كيلوغرام من اللحوم الفاسدة، تم تغيير تواريخ إنتاجها لتسويقها للمستهلكين في الأسواق الأردنيّة، وسط غياب واضح للمساءلة والشفافية!
المهيدات “لا حس ولا خبر”
رغم محاولات الصحفيين المتكررة للتواصل مع مدير عام الغذاء والدواء، الدكتور نزار مهيدات، منذ 15 يناير 2025، لم يرد المهيدات على أي من المكالمات أو الرسائل، في تجاهل غير مبرر لأسئلة الإعلام حول هذه القضية الحساسة. هذا الغياب التام عن المسؤولية يثير تساؤلات عديدة حول جدية المسؤولين في معالجة هذه القضية.
هذا الصمت غير المبرر يعكس ضعفًا واضحًا في تحمل المسؤولية، ويثير الشكوك حول مدى التزام المؤسسة بمهمتها الأساسية في حماية صحة المواطنين.
مدعي عام عمّان يتدخل وسط غياب الرقابة البرلمانية
وسط هذا التقصير، أعلن مدعي عام عمان فتح تحقيق رسمي فِي القضية، تمهيدًا لملاحقة المتورطين قانونيًا.
التحقيقات كشفت أن اللحوم المضبوطة تعود إلى إحدى الشركات الكبرى، التي لجأت إلى تغيير تواريخ الإنتاج لتوزيعها في الأسواق، في تلاعب صارخ بحياة الناس.
المداهمات التي نفذتها فرق الاستجابة السريعة بالتعاون مع مديرية الأمن العام والإدارة الملكية لحماية البيئة أسفرت عن ضبط الكميات والتحفظ عليها، لكن التساؤل يبقى: لماذا لم تتحرك الجهات الرقابية بشكلٍ استباقي؟
النواب فِي سبات “صمت وتجاهل مريب”
أما النواب، فقد اختاروا الصمت المطبق تجاه هذه القضية المدوية، مما يثير الشكوك حول موقفهم من قضية تمس حياة المواطنين مباشرة. فبدلاً من أن يتحركوا لمحاسبة المسؤولين والكشف عن تفاصيل الشركات المتورطة، اختاروا تجاهل القضية تمامًا!
20 يناير: تأجيل اجتماع لجنة الصحة النيابية لمناقشة القضية
في خطوة غريبة، قررت لجنة الصحة النيابية بتاريخ 20 يناير تأجيل اجتماعها المقرر لمناقشة الملف بحجة “ظروف تخص اللجنة”، دون تقديم أي تفسير مقنع للرأي العام. رئيس اللجنة، النائب شاهر الشطناوي، اكتفى بالإعلان عن تأجيل الاجتماع إلى اليوم التالي، بينما هاجم النائب أحمد السراحنة الصحفيين أثناء تغطيتهم للقضية، في محاولة مكشوفة لتكميم الأفواه وإبعاد الأنظار عَن تقصير اللجنة.
لكن المفاجأة الصادمة جاءت لاحقًا، إذ تبيّن أن لجنة الصحة النيابية عقدت اجتماعًا مغلقًا فور مغادرة الإعلاميين، متجاهلة تمامًا إعلانها السابق عن التأجيل! هذا التصرف أثار موجة من التساؤلات حول مصداقية اللجنة وشفافيتها، حيث بدا وكأنه محاولة للالتفاف على الإعلام وتجنب تسليط الضوء على ما يدور خلف الكواليس. فهل كان الهدف إخفاء شيء عن الرأي العام، أم أن اللجنة تعمل وفق أجندة بعيدة عن أعين المراقبين؟
21 يناير: اجتماع اللجنة خلف الأبواب المغلقة بذريعة “الحساسية“
في تطور لافت، قرر رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي تحويل اجتماع لجنة الصحة النيابية، الذي انعقد يوم الثلاثاء 21 يناير، إلى جلسة مغلقة بدعوى “مناقشة قضايا حساسة”.
الاجتماع، الذي حضره وزير الصحة فراس الهواري، لم يتطرق مطلقًا إلى قضية ضبط المؤسسة العامة للغذاء والدواء لكمية ضخمة من اللحوم الفاسدة تُقدَّر بـ25 طنًا. بدلاً من ذلك، ناقشت اللجنة قضايا أخرى أقل أهمية، مما أثار تساؤلات حول أولوياتها الحقيقية!؟
هذا القرار بإغلاق الاجتماع أمام الإعلام، وعدم مناقشة القضية الأكثر مساسًا بحياة المواطنين، أثار علامات استفهام واسعة. كان من المتوقع أن يقدم الاجتماع إجابات واضحة للرأي العام حول هذه الكارثة، لكن الغموض زاد بعد هذه الخطوة، وسط اتهامات للنواب بمحاولة التستر على المتورطين أو إهمال الملف بشكل متعمد!
استثناء قضية اللحوم الفاسدة من جدول الأعمال
في خطوة مستفزة، تم استبعاد قضية اللحوم الفاسدة من جدول أعمال اللجنة الصحية، في تصرف يعكس تهاونًا غير مقبول من قبل النواب تجاه حياة المواطنين. بدلاً من أن يكون الملف على رأس أولوياتهم، تم إلقاؤه جانبًا وكأن الأمر لا يعنيهم!
خميس عطية: “بطولات نيابيّة لا قيمة لها”
النائب خميس عطية، الذي تحدث عن القضية في جلسة لاحقة، لم يتجاوز 35 ثانية في إشارته إلى اللحوم الفاسدة.
والأكثر إثارة للدهشة أنه خلال هذه المدة القصيرة تناول ثلاثة مواضيع مختلفة دفعة واحدة! فقد أشار بشكلٍ عابر إلى قضية اللحوم الفاسدة، ومرّ سريعًا على قيام شركة الخدمات العامة للاتصالات برفع الأسعار، ولم ينسَ أن يذكر موضوع الدخان؛ لكنه لم يقدم أي حلول أو مطالبات ملموسة لأي منها.
بدلاً من التركيز على القضايا التي تمس المواطنين مباشرة، اختار أن تكون مداخلته مجرد كلمات عابرة بلا تأثير!
لماذا يتجاهل مهيدات قانون كشف الأسماء؟
السؤال الذي يفرض نفسه بقوة: لماذا يلتزم الدكتور نزار مهيدات، مدير مؤسسة الغذاء والدواء، الصمت حيال إعلان أسماء الشركات المتورطة في قضية اللحوم الفاسدة، رغم وجود قانون واضح يلزمه بذلك؟
بحسب قانون الغذاء والدواء رقم (30) لسنة 2015، وتحديدًا المادة 22، الفقرة (د)، يُلزم القانون المؤسسة بالإعلان عن أسماء المنشآت الغذائية المخالفة عبر الصحف اليومية ووسائل الإعلام الرسمية فور ضبطها. ومع ذلك، لم تصدر المؤسسة حتى الآن أي بيان يكشف عن أسماء الشركات التي تلاعبت بصحة المواطنين، مما يفتح الباب للتساؤلات: هل هناك ضغوط تمارس على المؤسسة؟ أم أن هناك حماية مباشرة للمتورطين من المحاسبة؟
هذا الصمت، رغم وضوح القانون، يثير موجة من الغضب والقلق بين المواطنين الذين ينتظرون إجابات واضحة وشفافية تامة. فمن المستفيد من هذا التكتم؟ ولماذا يتم انتهاك نص قانوني صريح على حساب صحة الشعب؟
أين العدالة؟ ومن يحاسب المتورطين؟
قضية اللحوم الفاسدة ليست مجرد حادثة عابرة، بل قضية تكشف عمق التواطؤ بين الجهات المسؤولة وصمتها المريب. مؤسسة الغذاء والدواء اكتفت ببيانات متأخرة وغامضة، والنواب تهربوا من مسؤوليتهم تحت ذرائع واهية، في حين ترك المواطن الأردنيّ ليواجه خطرًا مباشرًا على صحته دون حماية تُذكر.
على الرغم من التحركات القانونية التي يقودها مدعي عام عمان، تبقى الأسئلة بلا إجابة واضحة: لماذا لم تتحرك مؤسسة الغذاء والدواء قبل تداول اللحوم في الأسواق؟ وما هو دور النواب إن كانوا يتجاهلون قضايا بهذا الحجم؟
إلى متى يستمر هذا التهاون؟
قضية اللحوم الفاسدة كشفت عن خلل كبير في منظومة الرقابة والمساءلة. المواطنون ينتظرون تحركات جدية من النواب والمسؤولين لفتح الملف بالكامل ومحاسبة المتورطين.
هل ستتم محاسبة من عرض صحة المواطنين للخطر؟ أم ستبقى هذه القضية طي النسيان كما حدث مع قضايا أخرى؟ الكرة الآن في ملعب النواب والجهات الرقابية لإثبات جديتهم في حماية المواطنين من الفساد.
مطالبات شعبيّة بالشفافية والمحاسبة
المواطنون الأردنيون يطالبون بتحقيق شفاف ومستقل في القضية، مع الكشف عن جميع المتورطين ومحاسبتهم، سواء كانوا من الشركات أو الجهات الرقابية التي تقاعست عن أداء دورها. لن يقبل الشعب أن تُطوى القضية كما طُويت قضايا فساد أخرى، ولن يظل صامتًا أمام هذا التهاون الذي يهدد حياته بشكلٍ مباشر.
حان الوقت لإيقاف هذه المهزلة، ووضع حد لصمت المسؤولين واستهتارهم، فصحة المواطن ليست لعبة تتهاون بها المؤسسات ولا النواب الذين يزعمون تمثيله.