قَطْع ْالمساعدات الأمريكية .. فرصة لتحرر قراراتنا السيادية

8 د للقراءة
8 د للقراءة
قَطْع ْالمساعدات الأمريكية .. فرصة لتحرر قراراتنا السيادية

صراحة نيوزـ عوض ضيف الله الملاحمة

ما أصعب الإستجداء ، وما أقسى ( الشِحدة )تضيِّع كرامة الدول ، وتفقِدها هيبتها ، وإستقلالها ، وحرية قراراتها . فتكون تابعة ، خانعة ، ذليلة ، مُنقادة .

الوطن الذي لا كرامة له لا إستقلال له . وهذا بالضبط ما نعانيه . فبسبب المساعدات الأمريكية خرج الإستعمار من الباب ، ودخل من الشباك ، فأذلّنا ، وأهاننا ، ورغم ذلك ها هو قد خذلنا . أستغرِب من الدول التي تبيع إستقلالها ، وكرامتها ، مع ان الأوطان كما الإنسان الذي يكون كريماً يربأ بنفسه عن الإستجداء ، ويفترض ان يرفض اي عطاء ، اذا كان فيه مسّاً بكرامته . فاذا كان الفرد يترفع عن ذلك فكيف تقبل الأوطان !؟

كل إنتخابات أمريكية نتابعها بشغف ، وخوف ونتوسل ان يأتي الرئيس الأمريكي الذي يحافظ على ذِلّتِنا مقابل مساعدتنا .

نرقبهم بكل ألم وهم ( خاويين علينا ) . حتى ان سفرائهم يتعالون علينا ، ويتحركون ، ويتصرفون ، ويتدخلون في شؤوننا الداخلية والدولية بكل وقاحة . ومع كل الأسف حتى انهم لا يلتزمون ، بل لا يطبقون الأعراف الدبلوماسية . فيتصرفون وكأنهم فوق القانون ، لدرجة ان بعض المتكسبين الأردنيين يتقربون منهم ، ويخطبون ودهم ، ويستجدون دعمهم للوصول الى مناصب عليا في بلدنا . كما انهم يتنقلون بحرية ، دون مراعاة للأعراف الدبلوماسية ، بأخذ موافقة وزارة الخارجية ، او إعلامها كحدٍ أدني . فيتحركون بحرية تامة ، ويجوبون الأردن من شماله الى جنوبه دون ان يعبأوا بنا . وللتدليل على تدخلهم السافر في شؤونا ، لا أظنكم نسيتم ما صرح به المرحوم الدكتور / عبداللطيف عربيات ، قبل حوالي العقد من الزمن . حيث قال نصاً : ( ان السفارة الأمريكية هي التي فرضت الصوت الواحد في قانون إنتخاب مجلس النواب ) . كما قال : ( ان هناك شخصاً مجهولاً ، هو من يتحكم بالأردن ، ويتخذ القرارات الإقتصادية والسياسية . وتابع : زارني السفيرين الأمريكي والفرنسي وطلبا مني عدم النزول للإنتخابات ) .

لا يمكن ان تُقَدِّم أية دولة — خاصة الدول المتنفذة المتغطرسة — أية مساعدات لدولة اخرى دون ان تحصل على ثمن مقابل يمسّ كرامة تلك الدولة وسيادتها واستقلالها .

بسبب المساعدات فرضت علينا أمريكا توقيع إتفاقية جائرة تمس إستقلالنا وسيادتنا ، وسميت زوراً وبهتاناً وتلفيقاً وخداعاً إتفاقية الدفاع المشترك . أيّ دفاعٍ مشترك يمكن ان يكون بيننا ؟ ما الذي يجمعنا مع أمريكا حتى نوقع معها معاهدة كهذة ؟ وهل هناك تقارب او تشابه او تماثل في القوة ؟ وهل هناك تماثل في الأهداف ؟ ولو سلمنا جدلاً بان الأردن سيستفيد من تلك الإتفاقية أمنياً وعسكرياً ، ممن يمكن ان تحمينا أمريكا ؟ وهل لنا أعداء خارجيين غير الكيان الصهيوني ؟ وهل يمكن ان تحمينا أمريكا من تهديدات الكيان الصهيوني ؟ والسؤال الأهم والأدق : لو نشبت حرب بيننا وبين الكيان ، او لو إعتدى علينا الكيان الصهيوني ، هل يعقل ان تحمينا أمريكا من الكيان ؟ وبسبب المساعدات المُذلة أقاموا عندنا ( ١٣ ) قاعدة عسكرية أمريكية . مما أفقدنا كرامتنا واستقلالنا الذي نتغنى به . وللإمعان في ذُلِّنا ، لا يحق لنا معرفة الداخلين والخارجين للقواعد العسكرية . كما لا يحق لنا ان نعرف من هم حتى لو كانوا صهاينة . وما يستحق الإشارة اليه انني نشرت مقالاً عن الإتفاقية عندما تم الإعلان عنها ، ومما ذكرت : ما الذي يدرينا ان يسمح الأمريكان لأفراد من جيش العدو الصهيوني واجهزته الأمنية ان يدخلوا بلادنا دون علمنا ، والتهديد الخطير الذي يشكلونه . وبعد عدة ايام من نشر المقال قرأت على شاشة إحدى الفضائيات ان أمريكا اعلنت السماح لأفراد من جيش العدو الدخول الى الأردن بموجب الإتفاقية . والأكثر إيلاماً ما رشح من الإتفاقية ان أحد بنودها لا يعطي الحق للأردن محاكمة اي عسكري أمريكي حتى لو قتل مواطناً أردنياً بريئاً . وأبلغ دليل على خطورة تلك الإتفاقية ان القواعد الأمريكية أسقطت الصواريخ الإيرانية المتجهة الى الكيان على رؤوسنا ، مُخاطِرة بحياة الأردنيين وممتلكاتهم حماية للعدو الصهيوني .

إذا تبقى لدينا شيئاً من كرامة ، وتحثنا عزتنا على الإبقاء عليها ، وإذا رغبنا في إستعادة بعضاً من إستقلالنا ، فقد أتتنا الفرصة ، لنتعفف ، ونترفع ، ونُسقِط تلك المساعدات المُذلة من إعتبارنا ، وان نبلغهم ان ما كان ، لن يكون أبداً ، سواء مع ترامب او غيره . وانه حتى لو تراجعت الإدارة الحالية عن قرارها ، او أعادتها الإدارات القادمة فاننا نرفضها . كمواطن أردني اعتبرها فرصة وسنحت ، فلماذا لا نلتقطها ونستعيد كرامتنا ، وسيادتنا الى أُصيبت في مقتل .

حسب المُعلن فإن المساعدات الأمريكية السنوية للأردن تبلغ حوالي ( ١,٥ ) مليار دولار . وللعلم المبلغ لا يُقدّم كله نقداً . حيث يتم تقديم مساعدات عسكرية بقيمة ( ١ ) مليار دولار ، تتكون من أسلحة متنوعة وطائرات حربية . وكلها يقدمونها لنا من قواعدهم في اوروبا وخاصة المانيا ، ويودون تقليص عدد القواعد ، والتخلص من تلك الأسلحة والطائرات لأنها قديمة واصبحت خارج الخدمة . فتتم صيانتها وتلميعها وارسالها كمساعدات لنا . وبسبب تلك الطائرات القديمة نفقد عدداً من الشهداء من طيارينا البواسل بإستمرار . ويتبقى من تلك المساعدات حوالي ( ٥٠٠ ) مليون دولار يتم تقديمها نقداً ، وتساوي ( ٣٥٠ ) مليون دينار . هل أصبحنا رخيصين لهذه الدرجة !؟

يا أصحاب القرار ، يامن تديرون شؤون البلد . أعلنت حكومة سابقة ان الهدر في الإنفاق يبلغ ( ٦٠٠ ) مليون دينار سنوياً . وهذا يساوي ضعف المبلغ النقدي الذي نأخذه ثمناً لذُلّنا . فإذا رغبتهم ان ( تنتخوا ) للوطن ، وتستغلون الفرصة لإستعادة إستقلالنا ، وحتى تتبحبح موازنتنا ، فلتشربوا حليب السباع وتتخلصوا من الهيئات المستقلة التي تزيد على ( ٧٠ ) هيئة ، وتكلف الخزينة حوالي ( ٢ ) مليار دينار سنوياً . وعليه فانني أرى ان غالبية مديونيتنا نشأت مما تم إنفاقه على تلك الهيئات طيلة الربع قرن الذي مضى .

والله انها سهلة ، وممكنة ، وقابلة للتطبيق ، اذا كان لديكم نية لإستعادة إستقلال وطننا . وانها خطوة في الإتجاه الصحيح لتتحرر قراراتنا ، ويتحرر وطننا ، ونستعيد سيادتنا .
أما اذا كنتم قد أدمنتم التبعية ، والذلّة ، فعليكم ان تنسوا الوطن ، وتسيروا في نهج ما أدمنتم عليه ، وما عليكم الا التباكي أمام ترامب الذي لن تثيره الشفقة عليكم أبداً .

يا ناس والله بدها شوية كرامة . مابتحِسو ؟ ما بتشِمّوا ؟ ما ( بتchرفوا ، بلدحتوا ) ؟ ومن حسرتي على ذِلّة وطني ، سأختم ببيت من الشعر للفارس الشاعر / عنترة بن شداد ، حيث يقول :—
لا تسقني ماء الحياة بِذِلّةٍ / بل فاسقني بالعِزِّ كأس الحنظلِ .

Share This Article