عن وعي الأردنيين أكتب

6 د للقراءة
6 د للقراءة
عن وعي الأردنيين أكتب

صراحة نيوزـ كتب الدكتور رجائي حرب

على ما يبدو، فإن المنطقة قد بدأت تشتعل منذ السابع من أكتوبر، وبدأت النتائج تؤثر في الإقليم لا بل بالعالم كله؛ وكانت الجرائم والإبادة التي تم ارتكابها على مدى خمسة عشر شهراً قد أيقظت ظمائر الشعوب وحركت مشاعرهم لدرجة أنها بدأت تتجاوز حدود الدولة الوطنية لتتعاطف مع الوضع الإنساني المنهار للإنسان الفلسطيني الغزاوي الذي كان ضحية التهاون العالمي وخيانة القانون الدولي على مدى أيام الحرب القاسية

وكنا دوماً في الأردن في عين العاصفة؛ وضمن مخططات تصفية القضية الفلسطينية التي كان يرسمها المنحازون للكيان، وكنا في الأردن نبني آمالنا على صداقاتٍ وعلاقاتٍ لها ولاءاتُ مزدوجةٌ وعند اللحظاتِ الحاسمةِ كانت تنحاز قطعاً إلى الطرف الآخر. وبالتالي فقد حدث ما حدث؛ وما نعيشه في الوقت الحاضر خير دليل على أن العالم لا يمكن التعويل عليه ولا يمكن ضمان موقفه إذا ما كان خصمك المقابل إسرائيل

ولكن ما يهمنا في كل ما يحدث هو كيف لنا أن نتجاوز المشكلة التي نعيشها والاتجاه نحو الوقوف في وجه العنجهية التي تملي على الدول قرارات لا يمكنها تحملها أو التعامل معها؛ فالأردن ليس فلسطين وفلسطين ليست الأردن. والشعب الفلسطيني عاش على أرضه منذ آلاف السنين ولا يجوز اقتلاعه من جذوره وقذفه على أرض أخرى ويتم فرضه على أناس آمنون مسالمون يؤمنون بعروبتهم وإسلامهم ويقدرون إنسانيتهم ووقفتهم مع إخوتهم الفلسطينيين ولا يبيتون الضغينة إلى أيٍ كان

وبالتالي فقد خلع العالم ثوبه الحقيقي وظهر من تحته الذئب الذي طالما لبس ثوب البراءة والإنسانية والعدالة؛ وكشر عن أنيابه ليفعل أفاعيله المتوحشة في دولة أردنية طالما كانت مواقفها الرجولية تذهل العالم؛ وطالما قدمت للعالم أجمل صور الإنسانية للذين جارت عليهم دولهم ووجدوا الملجأ على أرضنا المقدسة

وعندما نجيب على السؤال الذي يطفو على السطح في هذه اللحظات العصيبة والتي عشناها سابقاً وتجاوزناها بكل اقتدار، وبحكمة القيادة، والتفاف الشعب حولها، وصدقية المواقف الوطنية، وحكمة الجميع، وسلامة السريرة، وهو: كيف يمكن أن نخرج من هذا المأزق؟

1- فقد غدا لزاماً على الجميع شطب اللون الرمادي في المواقف والتموضعات؛ فإما أن تكون أردنياً بامتياز وتدافع عن هذا الوطن بكل مكوناته الثلاث: القيادة والشعب والأرض لتبقى الدولة قائمة على هذه الأثافي المقدسة؛ لأن أي اختلال في هذه الثلاثية سيفقدنا أساساً فكرة الدولة التي تقف بكل اقتدار واستقرار في إقليمٍ طالما عانى من عدم الاستقرار؛ أو أن تعتزل وتتموضع مع خفافيش الظلام وتعتبر من الخارجين عن وحدة الصف الوطني؛ مع التركيز على وأد الخيانات والقضاء على الولاءات الخارجية؛ وإخراجها من بين الصفوف المرصوصة والتي طالما تغنينا بها وما زلنا.

2- إعلان حالة الاستنفار الوطني لكل أبناء الوطن المخلصين من كل الفئات، ليقفوا ويقولوا ويكتبوا ويتظاهروا بسلمية وحضارية – وكما هم الأردنيون دوماً – أمام السفارات المعنية، وفي الساحات، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات الفضائيات لتعظيم التهديد، وإظهار الرفض الفولاذي الوطني لكل المخططات والمؤامرات والضغوطات والإبتزاز، وفتح الحوارات وإجراء الاستفتاءآت التي تظهر رفض مناصري العدالة في العالم لمثل هذه الإجراءات الأحادية والخارجة عن الإجماع الدولي.

3- التأكيد على دعم موقف القيادة المتمثل بموقف جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم بتيارٍ شعبي وطني مخلص واعي، كما حصل عام 2017 عندما تم إعلان صفقة القرن، وكان الموقف الشعبي المساند هو مصدر قوة القيادة عندما تحدث للعالم وأظهر أن الرفض ينبع من القواعد الشعبية التي تشكل إرادة الدولة وعمقها الاستراتيجي الذي لا يُقهر والذي لا يخضع ولا يقبل الخضوع لغير القرار الوطني

4- الإيمان بأن لدينا القدرة على الدفاع عن وجودنا والاعتزاز بما لدينا من إمكانيات، فالشعب الأردني شعب واعي ومثقف ولديه كل إمكانيات النجاح التي يمكن البناء عليها من مواقف تحقق نتائج مذهلة وتنبذ اليأس والخوف الذي يتسلل إلى نفوس البعض من خلال الأعلام الكاذب والأقلام المأجورة

5- ولطالما قبض أبناء شعبنا الأردني العظيم على جمر التحمل والثبات وهزم العديد من موجات التآمر التي كانت تريد أن تفت بعضدنا؛ وكنا دائماً نخرج من كل مشاكلنا أقوى من ذي قبل؛ وكنا نهزم الأزمات التي تأتينا من كل الجهات بصبرنا وثباتنا على مواقفنا المصيرية؛ ولم تخيفنا الشائعات التي طالما بثها الإعلام المأزوم والذي كان ينفذ أجندات خارجية لا تراعي الله ولا مصلحة الوطن، ولم تستطع خلخلة اللحمة الوطنية، ولم نتركها تمس وحدتنا الوطنية، وكانت جبهتنا الداخلية صلبةً كالمعتاد نعاند بها الجبال

6- السعي مع أصدقائنا بالعالم وحلفائنا من كل جهة ليتبنوا معنا في المحافل الدولية رفض مثل هذه المحاولات الدائمة لتهميش دور الأردن كدولة ذات سيادة لا يحق لأيٍ كان التصرف بمصيرها ومصادرة إرادتها والتقرير عنها بما تشاء؛ وإلا فسيخلق ذلك وضعاً دولياً يزيد من تجاوز قيمة القانون الدولي ويؤدي إلى حالة إنفلات لا يحمد عقباها

7- قيام مجلس النواب وبالتشارك مع برلمانات العالم وممثلي الشعوب بعقد جلسات طارئة لحشد أصوات الشعوب الحرة لرفض مثل هذه القرارات التي تسيء لدولةٍ آمنةٍ مستقرة سعت دوماً إلى تعزيز السلم والأمن الدولييَّن.

8- إن الأردنيين الذي نبتوا من منبتٍ حسن وارتووا من منابع الكرامة والتضحية في سبيل الله والقضايا المقدسة سيبقوا على عهد الوفاء لهذه الأرض الطيبة ولقيادتها الهاشمية ولفكرة الأسرة الأردنية الواحدة التي تغلغلت في ماضينا وضربت جذورها في مستقبلنا؛ وستبقى هاماتهم تطاول الجبال الراسيات؛ لأنهم يؤمنون بأن لا خيار أمامهم غير البقاء على هذه الأرض بشرفٍ وكبرياء؛ وسيبقى كل واحد منهم لديه الثقة بأن هذه الزوابع مهما جلبت من مؤامرات ومخططات ستبوء بالفشل لأنها خارجة عن منطق العقل؛ ولا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال، ولن نستسلم ولن نبق مكتوفي الأيدي أمام هذا التعدي والتطاول على حقوقنا المشروعة مهما كانت القوة التي تقف خلف هذه الإدعاءات.

وللحديث بقية
27/1/2025 الإثنين

Share This Article