صراحة نيوز-بقلم/ ماجد القرعان
علاقاتنا أو تحالفنا مع الولايات المتحدة الأمريكية ليست وليدة الساعة بل دخلنا العام السادس والسبعين على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين والمفترض أنها قائمة على المصالح المتبادلة.
بوجه عام وحسب المجريات التاريخية وقراءات وتحليلات المراقبين والمختصين، ليس من السهولة انفكاكها لعوامل عدة سياسية واقتصادية وغيرها، وأبرزها مكانة الدولة الأردنية عالميًا وإقليميًا، إلى جانب أنها بمثابة العامود الأمني في المنطقة رغم تحالفها بصورة أفضل مع دولة الاحتلال الصهيوني.
يذهب البعض إلى الاعتقاد أن الأردن دولة ضعيفة وأن تحالفها مع الولايات المتحدة يجعلها دمية بأيدي ساستها، لكن المواقف المتوازنة والثابتة تاريخيًا للدولة الأردنية حيال العديد من القضايا يؤكد استقلالية قراراتها وجاهزية شعبها بقيادة جلالة الملك لمواجهة أية صعاب وتحديات.
لقد فعلناها مرارًا ومنها على سبيل المثال رفضنا المشاركة في الحرب على العراق الشقيق ورفضنا الدخول في الصراع الذي عاشته سورية الشقيقة ورفضنا مشاركة قوى التحالف في الحرب القائمة في اليمن، إلى جانب مواقفنا الثابتة تجاه القضية الفلسطينية ووضعنا كافة إمكانياتنا رغم محدوديتها لمساعدة أهل غزة.
ما تقدم من مواقف والنهج الذي اتبعته الدولة الأردنية بقيادة جلالة الملك، ولاءاته الثلاث “كلا للتوطين، كلا للوطن البديل، والقدس خط أحمر”، لم ولن تجعلنا بعون الله نحيد عن الطريق القويم، وهذا الأمر تعيه كافة دول العالم وقياداتها وحتى قادة دولة الاحتلال ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي وبدلاً من التخوف من التهديد بقطع المساعدات الأمريكية عنا، علينا أن نبدأ فورًا بإعادة ترتيب بيتنا الداخلي وفقًا لإمكاناتنا ومواردنا ومصالحنا مع مختلف دول العالم، ملتفين خلف قيادتنا التاريخية غير مبالين ولا مرتجفين، متكلين على رب العباد… فما بخلع الرأس إلا من ركبه.
قرار الرئيس ترامب بخصوص قطع المساعدات عن الأردن هو خاص بدولته ومصالحها، وهذا شأنهم ومن جهتنا لا ننكر العلاقة التاريخية بين دولتينا ولا ما قدمته لنا عبر تلك الحقبة. ومن حقهم علينا أن نشكرهم مثمنين تلك العلاقة وممتنين لقيمتها ومؤكدين على احترامنا دوماً لعلاقتنا مع شعب وقيادات الولايات المتحدة الأمريكية.
ولا ننسى في هذا المقام السياسة الأردنية المتوازنة عبر التاريخ وعدم التدخل بشؤون الدول ورفض التدخل بشؤوننا ومساهمتنا في السلام العالمي ومشاركتنا في قوات السلام وموقفنا الإنساني إلى جانب الشعوب في الكوارث والحروب، وحضورنا في كافة المحافل الدولية شركاء أساسيين في مختلف القضايا الإنسانية والبيئية والثقافية ومختلف المجالات، وهو نهج اتبعته الدولة الأردنية منذ تأسيسها وتقدره الدول المحبة للسلام التي تهتم برفاه ومستقبل شعوبها.
وبالمقابل، من حقنا أن نبحث عن مصالحنا والخيارات أمامنا عديدة وكثيرة وتتعدى التقشف وشد الأحزمة أكثر مما هي مشدودة، وقد فعلناها مرارًا رفضًا للضغوطات التي مورست علينا، كما حصل خلال الحرب على العراق حين تم فرض الحصار على ميناء العقبة، ويوم أطلق جلالة الملك لاءاته الثلاث، وخلال غيرها من المواقف التي تمس السيادة الأردنية. والرد هنا على وقف المساعدات يتطلب حكمة ساستنا بجلسات عصف ذهني سريعة تضع مصالح الدولة في أعلى سلم الاهتمامات، ولا ضير في هذه الحالة من عقد مؤتمر وطني ليشارك الجميع في حماية الدولة ومعالجة الإختلالات والتحديات الداخلية.
مصلحتنا تتطلب سرعة التشبيك مع أي من الدول وتبادل المنافع، ولدينا الأدوات لهذا الأمر سواء من الجانب العسكري أو الاقتصادي أو السياسي، والذي قد يتطلب إخراج القواعد العسكرية لأية دولة لا ترتبط مصالحها مع مصالحنا السيادية، والانفتاح على الدول المصنعة للأسلحة كالصين وروسيا وكوريا الشمالية وغيرها ضمن تحالفات تخدم المصالح المشتركة.
وفي الجانب الاقتصادي، علينا سرعة التشبيك مع الدول الاقتصادية ورجال المال والأعمال لجلب استثمارات عالمية للاستثمار في الكم الكبير لدينا من الموارد الطبيعية من بترول وغاز وصخر زيتي ويورانيوم ونحاس وذهب وعشرات الموارد الطبيعية الأخرى، إلى جانب الاستثمار في تحلية مياه البحر الأحمر وتوليد الكهرباء من الطاقة النظيفة (رياح وشمس) وتنفيذ المشاريع السياحية العملاقة، والاستثمار في القطاع الزراعي وصناعة الغذاء وفق أحدث التقنيات وبخاصة في الصحراء التي تشكل ثلاثة أرباع مساحة المملكة وتصلح لعشرات الأنواع من الزراعات التي لا تحتاج لمياه كثيرة، وخاصة الأعلاف.
أما في شأن مواجهة التحديات الداخلية وبخاصة الكم الكبير من تراكمات إدارة شؤون الدولة لسنوات خلت بقرارات الفزعة وتولي المناصب العليا كتنفيعات وتوريث وغيرها من الأسباب، وما عانينا منه من تغول البعض على موارد الدولة، فالأمر يتطلب أيضًا صفوة حكماء لبدء المعالجة، والتي تبدأ بتطوير ما يجب من تشريعات وسن تشريعات جديدة، واتخاذ إجراءات فورية سواء من جهة تذليل أية عقبات أمام استقطاب الاستثمارات الأجنبية حتى لو اقتضى الأمر وفق (نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية (BOT) Build-Operate-Transfer).
وكذلك لمعالجة الترهل الإداري الذي يتطلب اتخاذ المزيد من القرارات الحكومية، كما قرار وقف صرف مكافآت للجان الحكومية عن اجتماعاتها خلال الدوام الرسمي، والذي لقي تقديرًا واسعًا وانعكس إيجابًا على تعزيز ثقة المواطنين برئيسها الدكتور جعفر حسان. كما ويتطلب كذلك ضبط الإنفاق الحكومي على مجالات عديدة، وتخفيض عدد سفاراتنا في الخارج على سبيل المثال، وتجويد أداء التي تبقى ليكون لها دور فاعل على جميع المستويات، وخاصة الاقتصادية وجلب الاستثمارات.
الحديث يطول، لكننا جميعًا معنيون بتحمل مسؤولياتنا للمحافظة على سيادتنا ومكانة الدولة، واستثمار مواردنا كما نريد. لا نقبل الوصاية ولا نقبل الاستغلال أو التدخل بشؤوننا مهما كانت النتائج ومهما كان الثمن، فالأردن سيظل حراً أبيًا ما دام شعبه متحدًا وملتفًا حول قيادته التاريخية… وللحديث بقية.