صراحة نيوزـ الزغرودة، الصوت المميز الذي تُطلقه النساء في المناسبات السعيدة، هي واحدة من العادات الشعبية التي تمتد جذورها في ثقافات متعددة، وتعتبر تعبيرًا عن الفرح والبهجة، وتُستخدم في الأعراس، وعودة الحجاج، واحتفالات التفوق الدراسي، وحتى في الجنازات في بعض الأحيان، خصوصًا عندما يكون المتوفى شابًا أو شهيدًا.
أصل الزغرودة ودلالاتها: تعود الزغرودة إلى الفعل العربي “زغرد” والذي يعني رفع الصوت بطريقة جماعية، وتُجمع هذه الكلمة في اللهجة العامية على “زغاريد”، وتُسمى في بعض البلدان “الزلغوطة” أو “الزغروتة”، وفي الخليج العربي تُعرف بـ”الغطرفة” أو “الهلهولة”. كما تردد بعض المجتمعات كلمة “إيها” في بداية الزغرودة، وهي مستمدة من اللغة السريانية، وكان يُعتقد في العصور القديمة أن هذه الكلمة تُستخدم في طقوس دينية وعبادات لطلب الحماية والرحمة من الآلهة.
الزغرودة في الثقافة السريانية والأساطير: الزغرودة كانت تُطلق في الثقافة السريانية كجزء من الطقوس الدينية التي تطلب الحماية من الأرواح الشريرة، وكانت تُنطق غالبًا مع كلمة “لي لي ليش”، التي يعتقد البعض أنها تشير إلى “ليليث”، وهي إلهة قديمة كان يعتقد أنها تملك قدرة تدميرية، فكانت النسوة يطلقن الزغرودة لدفع شرها واستجداء بركاتها. في بعض الأحيان، كانت الزغرودة تُعتبر تعويذة سحرية تطلق لطلب الحماية والنماء.
الزغرودة في الثقافات الهندية: الزغرودة ليست محصورة في العالم العربي فقط، فقد انتشرت أيضًا في الهند، حيث تُعرف باسم “جوكار” في ولاية بنغال شرق الهند. ويعتقد الهنود أن الزغرودة تساهم في طرد الطاقة السلبية من الجسم وتوليد طاقة إيجابية من خلال حركة اللسان. وتُعتبر الزغرودة جزءًا من الموروث الثقافي الذي يهدف إلى تحسين المزاج وزيادة الطاقة الإيجابية.
استخدام الزغرودة في الحروب: أما في العصور القديمة، وتحديدًا في فترة الجاهلية، كان يُعتقد أن النساء يرافقن الرجال إلى ساحة المعركة بالزغاريد لإثارة الحماس والشجاعة في قلوب المحاربين، إذ كانت الزغرودة تُسمع مع قرع الطبول والدفوف لرفع المعنويات. ووفقًا لبعض الروايات، فإن القبائل الهندية كانت تستخدم الزغرودة في الحروب لترهيب الأعداء، حيث كانت تُعتبر صوتًا قويًا يثير الرعب.
الزغرودة اليوم: في الوقت الحاضر، يُستخدم الصوت الفرحاني المعروف بالزغرودة في جميع أنحاء العالم العربي، حيث ترددها النساء في المناسبات السعيدة مثل الأعراس، وحصول الأفراد على درجات عالية في امتحاناتهم، والاحتفال بعودة المغتربين، وفي بعض الأحيان في الجنازات خاصة عند استشهاد أحد الأفراد. الزغرودة تعتبر تعبيرًا عن البهجة وحالة من الفرح العارمة التي تُنقل جماعيًا، ويُقال أيضًا إنها تساهم في تحسين المزاج وزيادة السعادة.
آثار الزغرودة الصحية: على الرغم من فائدتها في تحسين المزاج، فإن إطلاق الزغرودة بشكل مفرط قد يُسبب بعض الأضرار الصحية، مثل بحّة في الصوت بسبب الضغط الزائد على الأحبال الصوتية. ولكن بشكل عام، لا تعد الزغرودة ضارة بصحة الإنسان، وتعتبر مجرد عادة ثقافية تمثل جزءًا من التراث الشعبي الموروث عبر الأجيال.
الزغرودة في الموروث الشعبي: تعتبر الزغرودة جزءًا من الموروث الشعبي في العديد من الدول، حيث يوجد في مصر مثل شعبي يقول: “الحزن يعلّم البُكاء والفرح يعلّم الزغاريد”، كما أن بعض الأمثال تشير إلى أن الزغرودة تُطلق عندما يحصل شخص على شيء لم يجتهد للحصول عليه.
الزغرودة تظل جزءًا من التراث الثقافي المتجذر في المجتمعات العربية والهندية، وتمثل تعبيرًا عن الفرح، الأمل، والبركات، كما أنها تُعتبر وسيلة للتواصل الاجتماعي تعكس الجماعية والتضامن في مختلف المناسبات.