التبّولة: رحلة من المطبخ العربي إلى المأكولات العالمية

3 د للقراءة
3 د للقراءة
التبّولة: رحلة من المطبخ العربي إلى المأكولات العالمية

صراحة نيوزـ قد يقدّم المطبخ العربي أكثر من مجرد أكلات لذيذة للباحثين عن أصوله وقصصه. فهو يعكس أيضا مدى التبادل الثقافي الذي حدث بين مختلف الحضارات والشعوب والبلدان التي مرّت على البلاد العربية منذ فجر التاريخ.

ومن أجمل القصص الشاهدة على هذا التبادل هي قصة تلك السلطة الشهية التي تُسمّى “التبولة”، المصنوعة من الفرم الناعم لمختلف مكوّناتها: البقدونس والطماطم والنعناع والبصل والخسّ ودبس الرمان وعصير الليمون والبرغل. والأخير يُعتقَد أنّ قدماء اللبنانيين هم من أضافوه إلى الوصفة الأصلية التي وصلتهم بعد أن قطع هذا الطبق ما يعادل ألف كيلومتر.

يُعتقد أنّ التبّولة انطلقت من بلاد ما بين النهرين، حيث اخترعها الكلدانيون حوالي 1800 قبل الميلاد، بحسب مخطوطات أكادية، ثم سافرت عبر التاريخ والجغرافيا نحو بلاد الفنيقيين واستقرّت قرب شواطئ البحر الأبيض المتوسط. هناك تطوّرت التبّولة بشكل ملحوظ، خاصة في منطقة سهل البقاع شمال بيروت، حيث ابتكر اللبنانيون أنواعا جديدة مثل “التبّولة الكذّابة” و”التبّولة باللحم”. أما اسم هذه السلطة فقد جاء من مصدر كلمة “توابل”، ومن فعل “تبّل” الشيء، وهو على الأرجح اسم عربي يُنسب إلى إضافة التوابل المتنوعة على مكوّناتها.

ورغم تطوّرها في لبنان، لم يقف انتشار هذا الطبق عند الحدود. إذ انتقلت التبّولة مجددًا عبر البحر إلى أميركا اللاتينية، حيث وجدت مكاناً لها في البرازيل وبعض البلدان التي استقبلت المهاجرين اللبنانيين، الذين يشكّلون حوالي 8% من السكان. هناك، أطلقوا عليها اسم “تِبيلي”، وهو الاسم الذي أصبح شائعًا بين الجاليات اللبنانية في تلك المنطقة.

جدير بالذكر أن التبّولة قد أضحت جزءاً من الصراع السياسي بين العرب وإسرائيل بعد محاولة الأخيرة نسبها إليها. إذ حاول الإسرائيليون ترويجها في العالم على أنها “طبق تراثي يهودي”. إلا أن المخطوطات التاريخية التي قدمتها إسرائيل كانت حديثة جدًا مقارنة بتلك التي تؤكد أن التبّولة كانت قد نشأت أولاً في العراق ثم انتقلت إلى لبنان. كما سعى اللبنانيون إلى دخول موسوعة غينيس “بأكبر طبق تبّولة في العالم” قبل حوالي 13 عامًا، وذلك كدليل على فخرهم بهذا التراث.

ومنذ عام 2001، يحتفل اللبنانيون في السبت الأول من شهر يوليو/تموز بـ”اليوم الوطني للتبّولة”، وهو احتفال يهدف إلى “حفظ هذا التراث المطبخي”. التبّولة تمثل جزءًا أساسيًا من التقاليد اللبنانية والعربية، وتُعتبر شاهدًا على التبادل الحضاري بين الشعوب العربية وعلى الصراعات التاريخية التي تسعى هذه الشعوب للحفاظ على هويتها الثقافية.

Share This Article