صراحة نيوزـ عوض ضيف الله الملاحمة
بعد صمتٍ مُطبِق ، مُعيب لما يقارب ال ( ١٧ ) شهراً . وبعد إنخراسٍ لما يزيد عن ( ٥٠٠ ) يوم من القتل ، والدمار ، والإحتلال ، والتطهير العرقي ، وبعد ان سُويت غزة بالأرض . وبعد ان تكالبت عليها كل دول الشر خطيرة القدرات ، المتسلحة بالوحشية ، والبعد عن الإنسانية — عدا عن أسلحتها الفتاكة . نهض أهل الكهف من سباتهم .
بصراحة ، وبصدق صُدمت من الفتوى او البيان الذي صدر عن ( ١٠٠ ) من كبار علماء الأمة الإسلامية . وبعد ان تفحصت الفتوى ، تفاعلت معها ، من منطلق القاعدة التي تقول : (( أن تأتِ متأخراً ، أفضل من ان لا تأتِ أبداً )) .
لكنني متردد من ناحية الدوافع التي دعت الى إصدار هذه الفتوى . وقلت ربما ان هذه الفتوى أتت لتقوية مواقف زعماء الدول العربية والإسلامية ، وتعزيز هيبتهم أمام الرئيس الأميركي ترامب ، الذي بدأ ( يستدعيهم ) فُرادا ، واحداً تلو الآخر . بعد ان تمت دعوة النتنياهو الى البيت الأبيض ، مُعززاً ، مُكرماً ، مُهاباً ، للتشاور معه ، والتعرف على مخططاته ، وأحلامه ، وبعد ان سحب ترامب الكرسي للنتنياهو لِيُجلسه ، حيث أخذ ترامب دور ( الجرسون ) في المطاعم الفخمة ، عندما يُجلِس زبونه الثري السخي . مُرسِلاً رسالة للعرب بالذات ليفهموا ان نتنياهو له مكانة خاصة ، وطلباته مُجابة . بعدها هزأ ترامب النتنياهو بقسوة — طبعاً تهزيء بدون تجريح لأنه تقمص دور الأب الذي لم يعجبه أداء إبنه — ومؤكداً انه سيحقق ما فشل النتنياهو في تحقيقه .
الفتوى او البيان الذي أصدره ( ١٠٠ ) من علماء المسلمين ، كان مقبولاً الى حدِّ ما ( يعني ولا البلاش ) . حيث تضمن بعض البنود شديدة اللهجة ، لكنها بديهية ، ومعروفة ، ومتداولة عربياً وإسلامياً ، وحتى بين أحرار العالم وشرفائه . يضاف الى ذلك ما جاء في مقدمة الفتوى عندما قالوا : (( إنطلاقاً من هذا التكليف الرباني ، وتنفيذاً للمسؤولية الشرعية ، ( وصدعاً بالحق ) ، وجهاداً بالكلمة .. الخ ، صراحة كلام كبير .
وهنا سوف أسرد بعضاً من بنود الفتوى — او البيان بالأصح :—
١ )) أولاً تأييد المقاومة .
٢ )) أرض فلسطين وقف لا يجوز التنازل عنها .
٣)) التقاعس عن نصرة غزة فرار من الزحف .
٤ )) جهاد المحتلين جهاد دفع متعين على المسلمين .
٥ )) إغلاق الحدود والمعابر خيانة لله ولرسوله .
٦ )) إتساع رقعة المعركة في العالم اذا لم يرتدع العدو .
٧ )) وجوب النفير العام على عموم المسلمين .
٨ )) وجوب مقاطعة منتجات وبضائع الكيان وكل الشركات الداعمة له .
٩ )) كل اتفاقيات السلام والتطبيع مع العدو باطلة .
وهنا أرى ان الفتوى ، رغم القبول بها ، لم تأتِ بجديد ، كما انها إنشائية ، وأغلب بنودها باهته ، للأسباب التالية :—
١ )) لانهم اعتبروا ان فتواهم بتأييد المقاومة شيء جديد او ذو قيمة . كما انهم لم يتطرقوا للحث على دعم المقاومة . فكل احرار العرب والمسلمين والعالم يؤيدون ، ومنهم يدعمون المقاومة ولم يكتفوا بتأييدها فقط .
٢ )) أما قولهم ان أرض فلسطين وقف ، فانهم قد فسروا الماء بعد الجهد بالماء ، ومن لا يعرف ان ارض فلسطين وقف ؟ اما قولهم انه لا يجوز التنازل عنها ، فهذا أضحكني حدّ البكاء . لحقيقة بديهية من يملك التنازل عن الأوطان ؟ الأوطان لا يتم التنازل عنها ، الأوطان تغتصب كما حصل لفلسطين ، لكنها لا تُباع . متمنياً ان يوضحوا لنا من يملك التنازل عن الاوطان عامة وفلسطين خاصة !؟
٣ )) وقالوا : ان التقاعس عن نصرة غزة فرار من الزحف . يصدر هذا البيان بعد ان استمرت الحرب لمدة ( ١٥ ) شهراً ، وبعد مضي حوالي شهرين على توقفها ، لماذا لم يصدر هذا البيان او هذه الفتوى قبل عام او أكثر !؟ وهذا ينطبق على بند إغلاق الحدود خيانة لله ولرسوله الذي تضمنته الفتوى . وكذلك البند الذي جاء فيه وجوب النفير العام على المسلمين ، يطالبون به بعد توقف الحرب !؟
علاوة على محدودية عدد العلماء الذين اصدروا هذه الفتوى ، لماذا لم يُنشر الا أسماء ثلاثة علماء !؟ ولماذا لم يوضحوا الجهات التي يمثلونها ، ومن يقف وراء نخوتهم المتأخرة جداً ، التي أتت بعد توقف الحرب وحصول الإبادة !؟
إسمحوا لي ان أقول انني أرى ان دوافع هذه الفتوى تتمثل في دعم وإسناد الزعماء العرب والمسلمين الذين سيستدعيهم الرئيس ترامب وأحداً تلو الآخر ، لإصدار أوامره لهم ، وتقسيم الأدوار بينهم ليدعموا تعزيز بقاء الكيان الصهيوني ، وتفريغ الأراضي المحتلة من سكانها الفلسطينيين ، لضمان أمن الكيان المحتل .
وفي مزاد الفتاوى ، هناك شيخاً إسمه / سالم الطويل أفتى بما يلي نصاً :— [[ المسلم إذا لم يستطع ان يقيم دينه ، عليه ان يهاجر . قال بعضهم : ويترك فلسطين لليهود ؟ الجواب : نعم ، ولو تركها ، ما تركها تعمداً ، ولا تركها رغبة عنها ، ولا تركها تنازلاً ، لكن ما يستطيع ان يقيم دينه ، هو مخلوق لماذا ؟ لأن يعيش في فلسطين او ليعبد الله ؟ ليعبد الله . ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ترك مكة ، ومكة أعظم من فلسطين والمسجد الحرام أعظم من المسجد الأقصى بل المسجد الحرام أعظم من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ]]. إنتهى الإقتباس . بالله عليكم ، ما هو التعليق المناسب على هكذا سُخف ؟
ما أكثر الذين يتجرأون ويستسهلون إصدار الفتاوى بإسم الاسلام العظيم . فمن فتوى إرضاع الكبير ، ومحاولة تشويه الدين بتحليل العلاقات غير السوية من زواج المتعة ، الى زواج المسيار ، والزواج السياحي ، والزواج العرفي … وغيرها .
يا شيوخنا ، المفروضين علينا وعلى ديننا الاسلامي العظيم ، قال المثل ( ( ما ينفع العليق يوم الغارة )) ، لقد اصدرتم فتواكم بعد نهوضكم من غفوتكم التي استمرت ( ١٧ ) شهراً . ولتعلموا ان فتواكم ربما كشفت شيئاً من الغمة ، لكنها أكدت المؤكد فقط . لا فيكم ولا في فتواكم او بيانكم الباهت الإنشائي الضعيف . لا كثر الله خيركم ، صمتكم فيه منجاة لنا ولديننا .
وأختم بحديث نبوي شريف عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم ، قال : [[ اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا وما هن يا رسول الله ؟ قال : الشرك بالله ، والسِحر ، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، (( والتولي يوم الزحف )) ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ]] صدق رسول الله صلى الله عليه وسلّم . أنتم ارتكبتم إحدى الموبقات ، بتوليكم يوم الزحف .