الالتفاف الشعبي حول القضايا الوطنية يمثل فرصة ثمينة، لكنه ليس كافيًا…

2 د للقراءة
2 د للقراءة
الالتفاف الشعبي حول القضايا الوطنية يمثل فرصة ثمينة، لكنه ليس كافيًا...

صراحة نيوزـ محمد جمعة الخضير

إنّ أصلب عناصر القوة في صناعة القرار هي اللُّحمة الوطنية، التي تجلَّت في شوارع وميادين عمّان استقبالًا وفرحًا بموقف الأردن من التهجير ومشاريع التوطين. لقد توحّدت اليوم كل القوى الحيّة، وعلى رأسها العشائر الأردنية “العمق الوطني”، وسائر مؤسسات المجتمع المدني من نقابات وأحزاب وطلبة وهيئات أهلية، في موقف وطني راسخ لا تحكمه المصالح الضيقة، بل توجهه بوصلة واحدة: المصلحة الوطنية العليا.

إلا أن هذا الالتفاف الشعبي القوي، وإن كان يشكّل مصدرًا لقوة الدولة، فإنه يستدعي مراجعة جادّة للسياسات الحكومية، خصوصًا فيما يتعلق بالمساواة والعدالة الاجتماعية، التي لم تعد مجرد مطالب وشعارات ترددها الحكومات، بل ضرورة تفرضها تحديات اللحظة الراهنة. فليس خافيًا أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية قد عمّقت الفجوة بين الفرد والسلطة، وكرّست امتيازات لفئات محددة على حساب الغالبية، مما أدى إلى تآكل ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، وهو ما ترجمته العديد من الشواهد، كان آخرها الإحجام عن المشاركة السياسية في الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية وغيرها.

إن هذه اللحظة الوطنية ينبغي أن تكون فرصة لمراجعة الذات، والخروج بالدروس المستفادة، وأن تشكّل نقطة انطلاق لإصلاح حقيقي يعيد تعريف العلاقة بين السلطة والمسؤولية، ويضمن توزيعًا أكثر إنصافًا للموارد، ويؤسّس لنهج جديد في إدارة الشأن الداخلي يرتكز على الشفافية والمساواة والعدالة. فبدون ذلك، ستظل الأزمات تتكرر، وسيفقد الالتفاف الشعبي وهج ضيائه تباعًا، إن لم يُقابل بسياسات تُترجم الإرادة الوطنية إلى قرارات فعلية تُعزّز ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها. وما شواهد تقرير ديوان المحاسبة الأخير إلا مؤشر من مؤشرات الخلل.

لذلك، فإن المسؤولية اليوم تقع على عاتق صانعي القرار لترجمة هذا الالتفاف الشعبي إلى رؤية وطنية تعكس تطلعات المواطنين، وتستجيب لمطالبهم المشروعة، عبر نهج يعزز المساءلة، ويرسّخ مبدأ تكافؤ الفرص ويحقق العدالة الاجتماعية، لضمان أن يكون الوطن للجميع، لا لفئة دون أخرى …

Share This Article