يهوذا الإسخريوطي بوجهٍ جديد

2 د للقراءة
2 د للقراءة
يهوذا الإسخريوطي بوجهٍ جديد

صراحة نيوز ـ بقلم: جهاد مساعده

في كل مؤسسة، هناك دائمًا من يتقمّص دور يهوذا الإسخريوطي؛ ذلك التلميذ الذي جلس قرب المسيح، عليه السلام، وأكل معه، وسار بجواره، لكنه في اللحظة الحاسمة خانه وسلّمه مقابل ثلاثين قطعةٍ من الفضة. اليوم، لم يعد الثمن مجرد دراهم، بل قد يكون منصبًا، مصلحةً شخصيةً، نفوذًا، أو حتى مجرد تصفيقٍ في اجتماعٍ رسمي.
يهوذا اليوم لا يحمل كيسًا من الفضة، لكنه يتنقل بين الاجتماعات بوجهٍ متلوّنٍ وكلماتٍ منمّقة؛ يوافق الجميع على كل شيء، يتظاهر بالولاء، لكنه في الخفاء يعطّل، يماطل، ويتلاعب بالمبادئ عند أول فرصة. إنه ذلك الشخص الذي يتحدث عن الشفافية، لكنه يعمل في الظلام، ويدّعي حبّ المؤسسة، لكنه يحفر لها قبرًا بيديه.
الخيانة الإدارية اليوم أصبحت أكثر تعقيدًا وأقل وضوحًا. لم تعد تأتي في صورة انقلابٍ صريح، بل في هيئة قراراتٍ تُتخذ وفقًا للمصالح الشخصية، أو معلوماتٍ تُسرّب لتحقيق مكاسب، أو ولاءاتٍ تتغير بتغير المصالح. الفرق بين يهوذا القديم والجديد أن الأول ندم على فعلته، أما يهوذا اليوم، فيكررها بلا تردد، معتبرًا إياها جزءًا من قواعد اللعبة.
لكن الأخطر من وجود يهوذا هو أن كثيرين يعرفونه ويتجاهلون الأمر، إما خوفًا من المواجهة، أو انتظارًا لدورهم ليكونوا “يهوذا التالي”. وهنا يكمن التهديد الحقيقي: كيف أصبح التملق وسيلةً للصعود، بينما بات الإخلاص والاستقامة عيبًا يُحارب؟ في ظل هذه البيئة، تصبح المؤسسات رهينةً للأقنعة الزائفة، وغير قادرةٍ على تحقيق النجاح إلا بعد أن تسقطها وتكشف وجوه أصحابها الحقيقية.
لكن هل المؤسسات محكومٌ عليها بالبقاء في هذا الوضع؟ بالتأكيد لا. الحل يكمن في تعزيز الشفافية، وترسيخ ثقافة المحاسبة، وتوفير بيئة عملٍ قائمةٍ على الكفاءة وليس الولاء الشخصي. فالأنظمة الرقابية القوية، وضمان اتخاذ القرارات وفقًا لمعايير مهنيةٍ عادلة، هما الضمانة الحقيقية لاستمرار المؤسسة ونجاحها.
يظن يهوذا الإسخريوطي أنه الأذكى، لكنه دائمًا يسقط في النهاية. فالحقيقة، مهما تأخرت، لا بد أن تظهر.
المؤسسات تبقى، أما يهوذا، فهو مجرد مرحلةٍ عابرةٍ في مسيرة العمل، ومصيره دائمًا أن يُكشف. إن لم تواجه يهوذا اليوم، فسيكون هو من يقرر مستقبلك غدًا.

Share This Article