الغوغاء والشأن العام

3 د للقراءة
3 د للقراءة
الغوغاء والشأن العام

صراحة نيوز – كتب: د . ماهر عربيات

حينما تطفو بعض القضايا العامة على السطح، في أي دولة أو مجتمع، وتستطير الأمور، ويصبح من الصعب تطويقها وتفكيكها بالسرعة الممكنة، تهب علينا حينئذ رياح الغوغاء، لامتلاك الدنيا، وليفسدوا في الأرض، تحت ذريعة مساهمتهم في تدبير الشأن العام، استنادا إلى نضجهم الفكري كما يعتقدون، الذي لا يملكون جانبا أو حظا منه، لتبدأ تدفق الحمم البركانية حولنا، ويبدأ تطاير شظايا التراشق اللفظي فوق رؤوسنا، وممارسة غوغائيتهم في استثمار الميادين والساحات العامة ومنصات التواصل الاجتماعي لاستهداف اجهزة الدولة، وإطلاق عبارات البذاءة والسفاهة، دون مراعاة للاعتبارات الأخلاقية، مع غياب واضح للقدرات والإمكانيات الفكرية والعلمية، مستثمرين هموم البشر ومعاناتهم.

شهد المجتمع مؤخرا قطيعا لم يتريث في فرض نفسه عند كل قضية أو أزمة أو محنة تواجه الأمة، واعتلاء المنصات والمنابر للتعاطي والتفاعل مع القضايا العامة بأنماط سلبية حمقاء، لسكب الزيت على مواقد الشأن العام.

أولئك الغوغائيون ينعتهم البعض بالقطعان والأوباش والبذاءة والجلبة والسوقة والرعاع … وهم يتحركون ضمن حدود واسعة ، يقتحمون الحيز العام ويستحوذون عليه، يفرضون وجودهم عنوة،،، حريتهم لا تنتهي حتى لو بدأت حرية الآخرين.

تلك القطعان لديها الاستعداد الأبلج لإثارة الشغب والاضطراب والفوضى، والتأهب لذلك كلما لاحت لهم فرصة او مناسبة، وكلما اقتضى الحال، وهم العناصر المثيرة والمحركة للفتنة والضوضاء واختلال التوازن في المجتمع… قال عنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هم الذين إذا حضروا ضروا، وإذا غابوا نفعوا.

يعتقدون أنهم مدركون ليس فقط لما يحدث في مجتمع ما، بل لما يجري على سطح هذا الكوكب ،، ظنا منهم بأن ثقافتهم عميقة واطلاعهم واسع، وبالتالي هم قادرون على تناول أي قضية بالشرح والتحليل والنصح والتوجيه، ومن ثم بناء المواقف وإصدار القرارات بصفة قطعية لا مجال فيها للرأي والاختلاف.

وقد ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في تعزيز دورهم المشبوه، ناهيك عن بعض القنوات الفضائية، التي لا تقل غوغائية عنهم فيما تطرحه من شعارات وما تبثه من سموم، والمعروف أن حشود القطيع دائما ما يراودهم إحساس بالقوة، لأن وجودهم ضمن القطيع يمنحهم الطمأنينة، ويخلي مسؤوليتهم تجاه أية مخالفات أو انتهاكات أو خرق للنظام العام، على اعتبار أن المخالفات لا يتحملها عنصر من القطيع بل القطيع بأكمله.

تمددت الغوغائية وتفشت في العديد من المجالس والساحات،، وقضى ربك أن تتواجد في كافة المجتمعات، وفي كل زمان ومكان.
وعالم الغوغاء أشد ميلا نحو الظهور والجهر بنشاطهم السافر والصارخ، من الحذر والسكينة والوعي، كيف لا وهو عالم الجلبة والجلجلة والضوضاء والضجيج والصخب، سواء لزم الأمر أم لم يلزم.

اقتلاع ذلك الداء وهذا البلاء من داخل المجتمع بات من الضروريات المطلوبة والملحة، حتى لا تستأثر هذه الظاهرة باهتمام الناس، وحتى لا تتحول إلى سلوك مقبول ومرحب به.

Share This Article