صراحة نيوز – جهاد مساعده
يا سادة…
منذ متى صار الكذبُ فضيلة؟
ومنذ متى تُعلَّقُ شارةُ الرجولة على صدر من يُجيد التمويه والمراوغة؟
أين كانت هذه الحكمة البلهاء
حين سرقني الجزار،
وخدعني التجار،
وتملّقني سعادته،
ثم أُقصيت من المشهد… فقط لأنني لا أُجيد العزف على طبل النفاق!
منذ متى صار الذئب قدوةً؟
والضبع خبيرًا؟
والكذاب دبلوماسيًّا يُشار إليه بالبنان،
كأنّ القيم انتحرت،
واستُبدلت الأقنعة بالوجوه!
يقولون: الكذب ملحُ الرجال…
يا ليته كان فلفلًا،
لعلّ الضمير يعطس،
أو يخجل،
أو يختنق!
من علّمنا هذه الشعارات المهترئة؟
من خطّها على جدران المدارس،
ووزّعها على بطاقات الدعوة،
ودفتر العائلة،
وشهادات الميلاد…
أذكر مرة…
قال لي أبي:
كن صادقًا يا ولدي، فالصدقُ منجاة.
فصدّقته، وخرجتُ إلى الحياة
كجنديٍّ في معركةٍ بلا خوذة،
أحمل الحقيقةَ في يدي…
وأتلقى بها الضربات!
معظم من حولي كان يكذب…
الراديو يكذب،
المنهاج يكذب،
الوعود تكذب،
والشمس نفسها…
تكذب حين تشرق على مواطن غارق في القهر وتبتسم!
في بلاد ما وراء البحار…
يُرشَّح الكذّاب للمناصب،
ويُستبعد الصادق،
ويُتّهم النزيهُ بالغباء،
ويُكرَّم المنافق على أنه رجل المرحلة!
قالوا: الكذب ملحُ الرجال…
فبحثتُ عن ذرّة سكر،
عن قليلٍ من الخجل،
عن رجلٍ إذا وعد أوفى،
وإذا تكلّم… احمرّ وجهه بدل أن يلمع حذاؤه!
لكنني لم أجد سوى مهرّجين في بدلاتٍ رسمية،
ومنصّاتٍ إلكترونيةٍ تُروّج للمؤثرين كما تُروّج للعطور الرخيصة،
وتُلمّع الأكاذيب كأنها إنجازات،
وتدفن الحقيقة في صندوق التعليقات!
أيها السادة…
إذا كان الكذب ملحَ الرجال،
فاحذروا يومًا تذوب فيه البلاد من فرط الملوحة،
ولا يبقى منها شيء…
سوى عرقِ الفقراء، ودموعِ الأمهات، وبياناتٍ تافهة… صيغت ببراعة الكذب!
أليس كذلك يا مسيلمة؟