صراحة نيوز ـ شهد الأشقر
بعد سنوات من الحروب المدمرة والانهيارات الاقتصادية، تسعى دول مثل العراق، سوريا، ولبنان إلى التعافي من أزمات أدت إلى تدهور غير مسبوق في اقتصاداتها. ومع استمرار الصراعات السياسية والاقتصادية، تبرز محاولات جديدة للتعافي، تعتمد بشكل كبير على تحويلات المغتربين والصناديق السيادية. فهل تستطيع هذه الأدوات استعادة الاستقرار الاقتصادي وتوفير فرص النمو؟
العراق : الاعتماد على النفط ومساعي الإصلاح
يُعد العراق من أكبر اقتصادات المنطقة بفضل احتياطياته الضخمة من النفط، التي تشكل المصدر الرئيسي للإيرادات الحكومية. لكن، ورغم هذه الثروات، يواجه العراق تحديات كبيرة، أبرزها الفساد المستشري، التقلبات في أسعار النفط، و البطالة المرتفعة، التي تشكل ضغطاً على الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
ووفقاً للبنك الدولي، يظل العراق بحاجة إلى تعزيز استثماراته في قطاعات غير نفطية، مثل الصناعة والزراعة، بهدف تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على العوائد النفطية. كما أشار تقرير صندوق النقد الدولي إلى ضرورة تطبيق إصلاحات هيكلية تتضمن تعزيز الحوكمة، وتطوير بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية .
سوريا : ما بعد الحرب وعوامل التدهور المستمر
سوريا، التي تعاني من دمار واسع في بنيتها التحتية، تتخذ خطوات بطيئة نحو التعافي الاقتصادي. وفقاً لتقارير البنك الدولي، سجل الاقتصاد السوري انخفاضاً حاداً في الناتج المحلي الإجمالي بلغ أكثر من 60% منذ بداية الصراع في 2011 .
تعد تحويلات المغتربين أحد المصادر الرئيسية لدخل العديد من الأسر السورية في الداخل والخارج. حيث تقدر تحويلات السوريين في عام 2022 بنحو 1.6 مليار دولار، ما يشكل دعماً مهماً في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية. لكن، ورغم هذه التحويلات، تظل سوريا في حاجة ماسة إلى دعم دولي لإعادة الإعمار، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً في ظل العقوبات المستمرة والصراعات الداخلية.
لبنان : أزمة مالية طاحنة وغياب الإصلاحات
منذ عام 2019، يعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادة تعتبر من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخه الحديث. انخفضت قيمة الليرة اللبنانية بنسبة تجاوزت 95%، ما أدى إلى انهيار النظام المصرفي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق.
ورغم أن تحويلات المغتربين تظل مصدراً حيوياً للاقتصاد اللبناني، حيث فاقت الـ 6.5 مليارات دولار سنوياً، إلا أن غياب الإصلاحات الفعالة من قبل الحكومة وعرقلة الدعم الدولي يمنع تحقيق أي تقدم اقتصادي ملموس. وحسب تقارير البنك الدولي، فإن لبنان بحاجة إلى إصلاحات جذرية في القطاعين المالي والمصرفي بالإضافة إلى إعادة هيكلة الدين العام .
أثر تحويلات المغتربين على الاقتصادات المتعثرة
تعتبر تحويلات المغتربين في دول مثل العراق، سوريا، ولبنان مصدراً أساسياً للاستقرار الاقتصادي الاجتماعي. في العراق، مثلاً، تُسهم تحويلات العراقيين في الخارج في تعزيز الاستهلاك المحلي وتخفيف وطأة البطالة. وفي سوريا ولبنان، تشكل هذه التحويلات شريان حياة للكثير من الأسر، وتساهم في دعم القطاعات غير الرسمية، مثل التجارة الصغيرة والزراعة.
ومع ذلك، فإن الاعتماد الكبير على التحويلات يعكس مشكلة هيكلية في الاقتصاد المحلي، إذ تظل الاقتصادات غير قادرة على النمو بشكل مستدام دون تنمية قطاعات الإنتاج المحلية والاستثمار في البنية التحتية.
الصناديق السيادية : أداة تمويل لإعادة البناء
على الرغم من أن الصناديق السيادية العربية لا تمتلك نفس التأثير في العراق وسوريا كما في دول الخليج، فإن دورها يظل مهماً في توفير رأس المال المطلوب للاستثمار في مشروعات إعادة الإعمار. خاصة في لبنان، حيث بدأ بعض المستثمرين والمغتربين في ضخ أموال عبر الصناديق السيادية لتنشيط الاقتصاد اللبناني المتدهور.
وحسب تحليل صندوق النقد الدولي، فإن استثمار الأموال السيادية في مشاريع تنموية مثل البنية التحتية، الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، يمكن أن يسهم بشكل كبير في تعزيز الاستقرار الاقتصادي.
فهل سيتحقق التعافي الاقتصادي في المستقبل القريب؟
على الرغم من الجهود المستمرة والموارد المتاحة، يظل التعافي الاقتصادي في العراق، سوريا، ولبنان معلقاً على استقرار الأوضاع السياسية وتنفيذ الإصلاحات الجذرية. التحويلات المالية والصناديق السيادية قد تمثل دعماً مهماً في الوقت الحالي، ولكنها لن تكون بديلاً حقيقياً للاعتماد على الاستثمارات المحلية وتعزيز القطاعات الإنتاجية.
فإن إعادة البناء في هذه الدول يتطلب شراكة حقيقية بين الحكومات، القطاع الخاص، والمجتمع الدولي، لضمان استدامة النمو وتحقيق الاستقرار بعيد المدى.