صراحة نيوز -عدي أبو مرخية
بينما تشهد العلاقات الأردنية السورية تحوّلًا ملموسًا منذ رفع العقوبات الغربية عن دمشق، تبرز تساؤلات حقيقية حول مستقبل هذا الانفتاح: هل ستكون عمّان قادرة على تحويل الفرص إلى مكاسب واقعية؟ وهل سينتقل التعاون الاقتصادي من حيز النوايا إلى واقع مؤسسي قائم على المصالح المشتركة؟
زيارة وفد صناعي وتجاري أردني رفيع المستوى إلى دمشق مؤخرًا، ولقاءاته مع مسؤولين سوريين، تعكس تحولًا في مقاربة العلاقة الاقتصادية، بعد سنوات من التباطؤ والحذر. ويبدو أن اللحظة الراهنة تفرض على القطاعين العام والخاص في الأردن الخروج من دائرة الخطابات، والبدء ببناء نموذج تعاون فعليّ يضمن حضورًا أردنيًا مؤثرًا في مرحلة إعادة إعمار سوريا، ويفتح آفاقًا جديدة للتصدير والتكامل الصناعي.
الجغبير: من اللحظة الرمزية إلى الانخراط الحقيقي
في تصريحات لـ”صراحة نيوز”، أوضح رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمان، المهندس فتحي الجغبير، أن زيارة الوفد الصناعي إلى دمشق لم تكن شكلية، بل مثّلت نقطة تحوّل في مسار العلاقة الاقتصادية، مؤكدًا أن حجم المشاركة الأردنية يعكس استعدادًا جديًا لدى الصناعة الوطنية للعودة إلى السوق السوري.
وأشار إلى أن الوفد الأردني ضم ممثلين عن قطاعات صناعية حيوية مثل البناء، الطاقة، الكيماويات، والتكنولوجيا، وهي قطاعات ترتبط مباشرة بإعادة الإعمار، مبينًا أن الأردن يتمتع بقدرات صناعية متقدمة تمكّنه من لعب دور رئيسي في المرحلة المقبلة.
وبيّن أن الوفد دخل إلى دمشق حاملاً ملفات واضحة واقتراحات جاهزة، تم مناقشتها مع الجانب السوري على أعلى المستويات، لافتًا إلى وجود رغبة رسمية سورية في تعزيز التعاون، وأن الأبواب مفتوحة أمام شراكات فعلية، إذا ما أحسن الجانب الأردني استثمار هذه اللحظة.
وأكد الجغبير أن من أبرز نتائج الزيارة التفاهم على إنشاء مجلس تنسيق اقتصادي أعلى بين البلدين، وتشكيل لجان قطاعية مشتركة، إلى جانب بحث تسهيل حركة الشحن البري، بما يفتح المجال أمام المنتجات الأردنية للوصول إلى أسواق أوسع في لبنان وأوروبا الشرقية.
ودعا الجغبير المستثمرين الأردنيين إلى تجاوز مرحلة الترقب، والانخراط المباشر في السوق السوري، مشددًا على أن المطلوب اليوم ليس فقط التصدير، بل بناء شراكات استراتيجية قائمة على المنفعة المتبادلة موضحاً أن الطلب في سوريا يتزايد، وأن لدى الأردن ما يكفي من الخبرات والمنتجات لسد الفجوات في قطاعات حيوية، مشيرًا إلى أن الغرف الصناعية تبذل جهودًا لتذليل العقبات أمام الشركات الأردنية.
كما أشار إلى أن تحويل الأردن إلى بوابة اقتصادية ولوجستية نحو الداخل السوري يجب أن يكون أحد أهداف المرحلة المقبلة، مستفيدًا من موقعه الجغرافي وسمعة منتجه الوطني.
غوشة: لسنا في موسم عواطف… بل مصالح وهندسة وتكنولوجيا
من جهته، شدد نقيب المهندسين الأردنيين المهندس عبدالله غوشة في تصريحات لـ”صراحة نيوز” على ضرورة بناء العلاقة الاقتصادية مع سوريا على أسس المصالح والتكامل لا على العواطف. وأكد أن لدى الأردن خبرات متقدمة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والاستدامة، يمكن أن تسهم بفعالية في مشاريع إعادة الإعمار.
وأوضح أن الخبرات الهندسية الأردنية مؤهلة للمشاركة في تصميم وتنفيذ وتمويل مشاريع البنية التحتية، داعيًا إلى تحفيز مكاتب الاستشارات الهندسية، وتسهيل الارتباطات الإجرائية مع المؤسسات السورية، بما يعزّز الحضور الهندسي الأردني في المرحلة المقبلة.
أبو دية: رفع العقوبات بداية… والعبرة في توظيفها
أما الخبير الاقتصادي منير أبو دية، فرأى في رفع العقوبات الغربية عن سوريا فرصة استراتيجية، لكنها مشروطة بالتحرك السريع والمدروس من الجانب الأردني. وأوضح لـ”صراحة نيوز” أن المنافسة الإقليمية على السوق السوري بدأت بالفعل، وأن على عمّان إعادة صياغة أدواتها الاقتصادية، وتوفير حوافز ملموسة للمستثمرين، وتحسين بنيتها التحتية في المنافذ الحدودية.
وأكد أن حسن النوايا وحده لا يكفي، وأن المرحلة تتطلب سياسة اقتصادية ذكية ومبادرات فعلية تعيد تموضع الأردن كشريك فاعل في ملف إعادة الإعمار السوري.