التعامل التجاري .. ومشكلة الشيكات الآجلة

8 د للقراءة
8 د للقراءة
التعامل التجاري .. ومشكلة الشيكات الآجلة

صراحة نيوز- بقلم / عوض ضيف الله الملاحمة

يتميز القطاع الخاص بميزات كثيرة ، لكن أهمها البعد عن الروتين ، ورفض البيروقراطية ، والتسويف ، والمماطلة ، والبعد عن تشكيل اللجان . حيث يميل للحسم ، واتخاذ القرارات الميدانية ، والبعد عن التردد ، وإختصار الإجراءات ، والديناميكية في التعامل . القطاع الخاص يعتبر ان الوقت له ثمن والوقت فعلياً يعني المال .

التعامل التجاري غايته ان تحقق كافة الأطراف الربح ، اي مثلما يقال ( win win situation ) . واذا لم يتحقق الربح فلن تتم الصفقات ، ولن يتم البيع ، ولن يكون هناك تبادلاً تجارياً . حتى لو إضطر احد التجار لبيع بضاعته او تقديم خدماته بخسارة ، فان الهدف من إبرام الصفقة يكون تقليل الخسارة ، وتقليل الخسارة يعتبر وقفاً للنزيف المادي ، وهذا بحد ذاته يعتبر ربحاً .

التعامل التجاري يحتاج الى مرونة في الإجراءات ، ويسر في التعامل ، ومصداقية في الإلتزام . لذلك تفشل غالبية المشاريع المشتركة بين القطاعين العام والخاص .

عملت في الامارات العربية المتحدة الحبيبة مدة ( ٢٠ ) عاماً متصلة ، منها ( ١٢ ) عاماً مديراً عاماً لمجموعة شركات . وكان تعاملنا ينحصر في إصدار مئات الشيكات شهرياً لكافة الجهات التي نتعامل معها . وكان يتم إصدار الغالبية العظمى من الشيكات بتواريخ آجلة لأيام او أسابيع . وكان يتم إيداع الشيكات بتواريخ الإستحقاق من قِبل المستفيد . ولم نواجه أية مشكلة على الإطلاق . لكن كان يحكم هذه العملية تعليمات مصرف الإمارات المركزي حيث لا يُسمح للبنوك بقبول إيداع الشيكات الا بتواريخ إستحقاقها . وكانت البنوك الإماراتية ملتزمة التزاماً تاماً ، حيث لا تسمح للمستفيد من الشيك إيداعه الا في يوم إستحقاقه ، بالضبط . وكجهة مُصدره للشيك تكون قد وضعت في اعتبارها ان قيمة الشيك ستكون متوفرة في الحساب بنفس يوم إستحقاق الشيك . وبنفس يوم الإستحقاق يتم إيداع الشيك ويتم صرفه دون أي إشكال بتاتاً .

ما حصل في وطني الحبيب من تغييرات على إجراءات التعامل في الشيكات ، أراه ليس سليماً ، ولا صحيحاً ، وسيشكل عقبة كبيرة في التعامل بين كافة قطاعات القطاع الخاص .

وضعنا الإقتصادي لا يَسُرّْ ، والقوة الشرائية ضعيفة جداً . وحركة دوران البضاعة بسيط ، ويكاد يصل درجة الركود . وأتى هذا الإجراء ( ليخنق ) السوق أكثر ، ويحد من تعاملاته ونشاطاته .

بدلاً من التعديلات القانونية التي تمت مؤخراً ، التي قيدت التعامل التجاري ، وذلك بالغاء الحماية الجزائية على الشيكات المرتجعة ، وتفعيل خدمة الإستعلام الرقمي عن الملاءة المالية لمُصدري الشيكات . أرى انه لا فائدة منها بتاتاً . والإستعلام عن الملاءة المالية لمن يصدر شيكاً قبل الموافقة على إصداره ، أراه إجراءاً عقيماً . لأنه لو توفر الرصيد الكافي لتغطية قيمة الشيك لما كان هناك مشكلة ، لكن من يود إصدار شيك معين يأخذ بحسبانه ان قيمة الشيك ستتوافر في الحساب في تاريخ إستحقاقه ، حيث ستتم تغطية القيمة من المبيعات اليومية ، ومن دفعات سيتم تحصيلها .

كان بإمكان الأردن ان يتجنب كل هذه التعديلات والإرباكات ، بالإكتفاء بأن يصدر البنك المركزي الأردني تعليمات صارمة للبنوك التجارية بعدم السماح بقبول إيداع الشيكات الا في تواريخ الإستحقاق المدونة على ورقة الشيك ، هذا أولاً ، وثانياً ان يتم منع ( تجيير الشيكات ) بالمطلق . لأن عملية التجيير عملية متخلفة ، فوضوية ، غوغائية ، كما انها تعتبر أرضية خصبة للتلاعب .

وأنا شخصياً مررت بتجربة خاصة سيئة . في عام ١٩٩٧ ، شرعت ببناء بيتي . وبعد استكماله ، وقبل انتقالي للسكن فيه ، ومن منطلق تبرأة ذمتي تجاه أحد المقاولين ، وبعد تصفية الحساب معه ، تبين انه تبقى له في ذمتي مبلغاً بسيطاً قدره ( ٥,٠٠٠ ) خمسة آلاف دينار . وخاطبت المقاول قائلاً له : لتبرأة ذمتي ، سأصدر لك شيكاً بتاريخ آجل لشهر حيث سيكون المبلغ متوفراً لديّ بكل تأكيد ، ووافق المقاول ، واتفقنا على ان لا يتم إيداع الشيك الا في يوم إستحقاقه ، لأن قيمة الشيك غير متوفرة في حسابي . وفي اليوم التالي ، فوجئت بإتصال هاتفي من أحد المحامين يبلغني بأنني أصدرت شيكاً ، وتم ختمه من البنك بعدم كفاية الرصيد ، وانه عليّ تسديد قيمة الشيك خلال ثلاثة أيام والا سيكون مضطراً لإتخاذ الإجراء القانوني بحقي . واخبرت المحامي بما اتفقت عليه مع المقاول ، واذ به يبلغني بان نظام الشيكات في الأردن يختلف عن الإمارات وانه لا يوجد ما يمنع من قبول البنك للشيك حتى لو كان تاريخ إستحقاقة بعد شهور . وكنت أتفاوض مع أحد الأشخاص لشراء أرض لي امتلكها ، وعندما أخبرت المشتري لإضطراري للبيع غداً اخبرني بان المبلغ غير متوفر الان . عندها اضطررت للإعلان عن بيع الأرض بخُمس ثمنها في اليوم التالي ، وبعت الأرض وسددت قيمة الشيك واقسمت يميناً ان لا أحمل دفتر شيكات ما حييت .

كان من مصلحة الدولة الأردنية ، ومن مصلحة القطاع الخاص ، ومن مصلحة الإقتصاد الوطني عدم الذهاب الى تلك التعقيدات البيروقراطية ، والسماح بالإستفسار عن الملاءة المالية لمُصدري الشيكات ، التي لن تكون مجدية ، والتي سيحكمها الثقة الشخصية فقط ، ان يتخذ البنك المركزي الأردني قراراً واحداً واضحاً وبسيطاً ، ومباشراً بعدم السماح للبنوك بإيداع الشيكات الا في تاريخ الإستحقاق ، ومنع تجيبرها ، وبهذا تترك مساحة كبيرة من المرونة للقطاع الخاص لإدارة شؤونة ، كما سيوفر على الدولة الأردنية الرسوم التي ستدفعها الى شركة ( كريف ) الأردن التي ستتقاضى ( ٤ ) أربعة دنانير عن كل إستفسار ، حيث سيكون المبلغ التجميعي السنوي مبلغاً كبيراً ستتحمله الموازنة العامة المُرهقة أصلاً .

الشيكات هي شريان التعامل التجاري بعامته وخاصة مبيعات شركات الطيران ، وتجار الجملة ، وتجار التوزيع ، وغيرهم . واعتقد ان الإجراء الأخير زاد الطين بِلّة على نشاط وتعاملات القطاع الخاص .

أعتقد ان أمراً ضرورياً يغيب عن المشهد وذلك يتمثل في ضرورة وجود ممثلين للقطاع الخاص قبل إقرار التشريعات التي تمس نشاطاته وتعاملاته . وهذا الأمر كان مُتبعاً في الإمارات الحبيبة منذ ثمانينات القرن الماضي . حبذا لو يتم الإقتداء في تجارب الدول الشقيقة والصديقة والإقتباس من تجاربها وسبقها لنا في تحضرها .

لأن سبب أزمة الشيكات المرتجعة وضخامة عددها ومبالغها يكمن في السماح بتحصيل قيمة الشيكات قبل تواريخ إستحقاقها ، وكذلك السماح بتجييرها ، وهذا كان مقتلاً للتعامل التجاري ، فلا إحترام ، ولا إلتزام بتواريخ الإستحقاق ، ولا إلتزام بحصر الإستفادة بالجهة المستفيدة من الشيك .

Share This Article