صراحة نيوز- بقلم/ نضال المجالي
يمثل الإعلام أبرز الأدوات في إدارة الأزمات الأمنية والسياسية، فدوره يتجاوز البعد الاتصالي ليتداخل بشكل مباشر في بناء التصورات المجتمعية وصناعة السلوك وردود الفعل الجماهيرية لأي حدث أمني أو سياسي. ولهذا يُعتبر العنصر الفاعل في “نظام الاستجابة” الذي تضعه الجهات المعنية في الدولة للتعامل مع الحالات الطارئة والتهديدات الأمنية والسياسية المؤثرة.
ومفهوم إعلام الأزمة مفهوم عالمي متقدم، وليس اختراعاً محلياً. لكل دولة طريقته ونموذجه الإداري، لكن هناك ثوابت معروفة في إدارة الأزمات لا تختلف بين الدول أو الأشخاص. وأي أزمة أمنية تمر بثلاث مراحل رئيسية: ما قبل الأزمة، مرحلة المواجهة، ومرحلة ما بعد الأزمة. لكن تختلف منهجية التعامل من دولة لأخرى ومن إدارة لأخرى، رغم أن الإعلام يتداخل في كل هذه المراحل بآليات ومستويات مختلفة، تتراوح بين نظريات الاتصال في الطوارئ واستراتيجيات التصعيد والتهدئة، وبين اختيار الأشخاص المؤهلين لحمل المايكروفون أمام الكاميرا او خلف منصات الفضاء الإلكتروني، والذين يملكون القدرة والحق في الكلام.
ونحن في كل أزمة أمنية، نعيش وكأننا في “هوشة” غير منتهية، تشمل فرق التحليل والخروج غير الكفؤ على شاشات ومنصات، من قبل أشخاص يبحثون عن الإثارة أو “العرط السياسي”، أو يتنافسون على الشعبوية الفردية. وقد أوصلونا أحياناً إلى أن يكونوا “ترند الموسم” لضعف حججهم في ظروف تتطلب وعياً وثقافة وعلماً وسياسة.
لذا، وجهت رسالتي للحكومة أولاً لتفعيل نظام إعلام الأزمة، وإلزام من “يتنطح” بالعودة للجلوس على “أريكته”، وترك عزف النشاز أمامنا، في عالم لا يلتقط سوى الضرر والأثر السلبي، بينما يجب أن تتولى الجهات الأمنية والرسمية المختصة إدارة محتوى وشخوص الحديث والفكر والتوجيه والتنفيذ في الأزمات الامنية.
وبالعودة إلى إعلام الأزمة، أطالب صاحب القرار المسؤول عن ملف إعلام الأزمات بإعادة قراءة المراحل الثلاث الأساسية، والاعتماد عليها. فمرحلة ما قبل الأزمة تبدأ بـ”الإعلام التحذيري”، القائم على تحليل المخاطر وبث رسائل لرفع مستوى الوعي الأمني المجتمعي، مما يتطلب منظومة للرصد الإعلامي وفق مؤشرات تحليل المخاطر، واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في فهم المحتوى ورصد التهديد في الفضاء الرقمي.
ثم تأتي مرحلة أثناء الأزمة، وهي الإدارة العملياتية للأزمة؛ إذ يجب أن يوفر الإعلام معلومات دقيقة ومدروسة لضبط الرأي العام وتقليل الخوف والغضب والذعر أو حتى اللامبالاة. فقد شهدنا قبل أيام شخوص تطالب بتخزين الماء والاختباء في الملاجئ، وآخرون طالبوا بالتعطيل، ورأينا أطفالاً يتجولون حول صفارات الإنذار وكأنها دعوة لمناسبة عامة. هنا تظهر أهمية “الاتصال في الأزمات” كأداة رئيسية في بناء خطاب متزن قائم على شفافية محسوبة، مع مراعاة التوقيت ومصداقية المصدر.
أيها المعني بالأمر، إن الخطة الإعلامية في الأزمات تلعب دوراً محورياً في نجاح الاستجابة المؤسسية، ويجب أن تكون جزءاً من “خطة الطوارئ الوطنية”، وتحتوي على إجراءات تشغيل قياسية للرسائل، وتحديد المتحدثين، وتوزيع الأدوار بين وسائل الإعلام ومنصات التواصل. وفي ذلك، يجب أن يكون دور المتحدث الرسمي محورياً، ليكون قناة معبّرة عن سياسات المؤسسة الرسمية والأمنية ويطمئن الجمهور وفق معايير الانضباط في شكل ومضمون المعلومة ونجح مثلا مركز إدارة الأزمات بامتياز في ذلك خلال جائحة كورنا كما نجح معالي وزير الاعلام الحالي الناطق الرسمي باسم الحكومة في دوره لكن لم يتم حتى اليوم ضبط “الإعلام الفلت” وهو الاعلام والشخوص الأشبه “ببك آب” دون لوحة ارقام وسط الصحراء.
ولهذا فإن علاقة دور الإعلام بالأمن تتطلب فهماً متكاملاً بين علوم الاتصال والإعلام وعلم إدارة الأزمات الأمنية من قبل الجميع. ويتحقق ذلك بسياسات وطنية شاملة للإعلام الأمني، تُعنى أولاً ببناء القدرات البشرية وتحديث البنية التحتية الإعلامية، وتوظيف أدوات التكنولوجيا الحديثة بتنسيق كامل مع المؤسسات الأمنية. وبدون ذلك، سنشهد يومياً تنطحاً إعلامياً يعيدنا إلى المربع الأول، ويخرجنا عن سياقنا وموقعنا إعلامياً وأمنياً.