نقطة البداية …!

5 د للقراءة
5 د للقراءة
نقطة البداية ...!

صراحة نيوز- بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران

بعد أكثر من عام ونصف من الحرب على غزة والتي عمل الاحتلال فيها على الانتقام من كل بشر وحجر، بل وإبادة أي أمل لحياة ممكنة فيها، حرب استنزفت كل مقومات الحياة الموجودة في القطاع المحاصر، أو لدى أهله الذين مازالوا على عهد الصمود والتحدي حتى اليوم مهما بلغت التضحيات، لتمتد بعدها إلى لبنان واليمن والضفة الغربية في فلسطين المحتلة بل وحتى إلى الأراضي السورية، وهي الحرب التي أنهكت تفكير ونفسية الملايين من الشعوب العربية والإسلامية ومعهم الشعوب الحرة في جميع أنحاء العالم ممن يفكرون ليل نهار في الفظائع التي تجري هناك دون رادع لاحتلال يعمل على أساس قانون خاص به وحده، لا ينتمي لأي قانون أو عرف ديني أو إنساني أو عالمي، وبعد كل هذه الشهور المنهكة كان الجميع يترقب هدنة جديدة يتنفس فيها أهل غزة الصعداء، ولم يكن أكثر المتشائمين يتوقع أن تندلع بدلاً من ذلك حرباً جديدة ربما تكون بمثابة (الأم) لكل سابقاتها من الحروب، واليوم وبعد أكثر من أسبوع على عدوان الاحتلال على الجمهورية الإسلامية في إيران واندلاع المواجهة المباشرة بينهما، بات من الواضح بأن الأمور تزداد تعقيداً، فبعد أكثر من عام ونصف على فشل الاحتلال في إخضاع قطاع غزة وأهله برغم كل ما ارتكب فيه من جرائم، تحول إلى العمل على إخضاع النظام الإيراني بكل ما لديه من قوة وقدرات، والمتمعن في الأمر يستطيع أن يرى بأن هذه المواجهة في حقيقة أمرها هي مواجهة على النفوذ في المنطقة، بين احتلال يكمل سعيه للهيمنة على المنطقة بأسرها وتشكيلها من جديد لتكون بأكملها تحت هيمنته وإرادته، وبين إيران التي فقدت الكثير من نفوذها في المنطقة خلال السنوات الأخيرة خصوصاً بعدما جرى في لبنان وسوريا وستعمل بكل طاقتها على استعادة ولو بعضاً من هذا النفوذ ولو برد الاعتبار أمام عدوان الاحتلال عليها، لكن الناظر للصورة بشكلها الأوسع قد يرى حرباً روسية أوكرانية شرق أوسطية جديدة، ذلك أن حقيقة الحرب الحالية هي بالتأكيد بين النفوذ الأمريكي الداعم للاحتلال وبين النفوذ الروسي/الصيني الداعم لإيران، ولا ننسى بأن هناك خبراء روس مازالوا يعملون حتى اليوم في بعض المواقع النووية الإيرانية كمفاعل بوشهر، ولذلك فإن روسيا ومعها الصين يعلمون تمام العلم بأن خسارة إيران للحرب تعني الخروج تماماً من منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد خسارة النفوذ الروسي في سوريا مؤخراً، وبالتالي ستكون نقطة البداية للسيطرة الأمريكية/الإسرائيلية الكاملة على منطقة الشرق الأوسط بكل مقدراتها وقراراتها، ونهاية أي وجود لنفوذ روسي/صيني فيها، مع التخوف الأمريكي الكبير من نقطة في غاية الأهمية بأن يكون التدخل الأمريكي وإسقاط النظام الإيراني سبباً جديداً لظهور تنظيمات متطرفة أشد قوة من تنظيمات كالقاعدة وداعش ظهرت بعد الحروب الأمريكية على أفغانستان والعراق وإسقاط النظام السابق فيه والأسوأ من ذلك أن تكون نقطة البداية لحرب عالمية جديدة، ومن هنا يتضح بأن ما بعد هذه الحرب لن يكون كما قبله، خاصة مع بحث الاحتلال واستماتته لتسجيل أي انتصار كبير خصوصاً مع الفشل الذريع والمتجدد له أمام صمود غزة وأهلها، إلا أن هذا الاحتلال يثبت كل يوم بأنه لا يتعلم الدروس، وأن جنون العظمة وصل بالقائمين عليه وبداعميه لجهل حقيقة أن سقوط كل شهيد في غزة خاصة وكل فلسطين عامة ستكون دائما نقطة البداية لقيام آلاف مشاريع الشهداء بعده، حتى تحرير أرض فلسطين وعودة الحق لأصحابه، كما ستكون سطراً جديداً في نقطة النهاية لهذا الاحتلال مهما طال به الزمن وتمادى في جبروته وإجرامه بإذن الله، فهذه القضية تجري ليس فقط في أنهار النيل ودجلة والفرات في عالمنا العربي، بل وفي عروق جميع العرب والمسلمين كما تجري الدماء في عروقهم، وستبقى تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ومهما عمل الاحتلال على طمس الحقائق فيها ودفن أهلها بين الرمال.
لكم الله يا أهل غزة يا من تصحو القلوب وتغفو وهي تدعو لكم بالفرج القريب والعوض الجميل، وأن يكتب الله لكم أجمل عوض الصابرين الصامدين، وأنتم من قدمتم وتقدمون دروساً ربما ستعجز كثير من كتب التاريخ عن تدوين عظمتها.

Share This Article