رحلة الهاوية بقيادة المرياع الأعمى

3 د للقراءة
3 د للقراءة
رحلة الهاوية بقيادة المرياع الأعمى

صراحة نيوز- بقلم / د. نعيم الملكاوي / كاتب وباحث سياسي

حين يُقاد القطيع باسم ” البراء “… وتُصادر العقول باسم ” الولاء ”

” المأساة ليست في الأعمى الذي يتقدّم الصفوف ، بل في الذين يعرفون أنه أعمى ، ويواصلون المسير خلفه ” .

في عمق ثقافتنا الشعبية ، يلوح مشهد ” المرياع ” بوصفه رمزاً حيّاً للقيادة الزائفة والانقياد الأعمى . إنه ذاك الكبش ذو القرنين الكبيرين الذي يُفطَم بعيداً عن القطيع ، ويُربّى على صوت الراعي حتى يألفه ، ثم يُعاد إدخاله بين الخراف ، لا ليكون منها ، بل ليقودها إلى حيث يشاء السيد .

هذا الرمز القديم لم يعد حكاية من البادية او الريف ، بل صار واقعاً يتكرر في فضائنا السياسي المعاصر ، حيث يتقدّم ” المرياع ” الجديد بهيئة مسؤول أو ناطق باسم الجماهير ، يقف في الواجهة ، يملأ الشاشات بالوعود والصحف بالهذي ، ويهتف بما يُطلب منه ، لا بما يؤمن به . إنه لا يقود لأنه أهلٌ لذلك ، بل لأنه مُبرمَج على الطاعة ، ومُلمّع بما يكفي ليبدو مقنعاً .

وفي المقابل ، يقف القطيع : جمهورٌ متعب ، منهك ، يرى الطريق يضيق أمامه ، لكنه يواصل المسير ، ليس اقتناعاً بأن المرعى قريب وسهله وفير ، بل لأن الصدى صار بديلاً عن الصوت ، ولأن الاعتياد خدر كل قدرة على الاعتراض .

نحن لا نعاني من قلة القادة والعقول الخلاّقة ، بل من وفرة ” المراييع ” التي تتصدّر المشهد ، وتحتكر الميكروفون ، وتُلغي كل ما عداها .

نعيش زمناً يُختزل فيه الولاء في شخص ، والوطن في شعار ، والقرار في يدٍ واحدة او ثلةٌ من المنتفعين والمنفعيين . والخطر الأكبر ليس في المرياع ذاته ، بل في الذين يصنعونه ، ويضخمون هالته ، فيُسَكّتُ ويقصى كل من يرفض السير خلفه .

لقد أصبح المنحدر أمامنا واضحاً : كل شيء يتأكل من حولنا ، إرادة تُفرغ من مضمونها ، وقيادات تُعيَّن لا لتنهض ، بل لتُنفّذ ، وتُمرّر ، وتُخدّر .

ومع ذلك ، يظل السؤال مُعلّقاً في الهواء :

هل نُدرك حقاً أننا نسير خلف ” مرياع أعمى ” ؟

أم أننا نفضّلُ غضّ البصر ، كي لا نتحمّل مسؤولية الرؤية ؟ ؟

لأن التاريخ ، في نهاية الأمر ، لا يكتب أسماء المراييع …

بل يُدين صمت القطيع .

Share This Article