صراحة نيوز- بقلم / عوض ضيف الله الملاحمة
أرسل لي صديقي الدكتور / فايز الحوراني ، الرجل القومي الصلب ، صاحب القيم النبيلة ، والأخلاق العالية ، العروبي المعطاء ، الذي بقي متسلحاً بعروبته ، ويقبض عليها كالقابض على الجمر ، رغم المعاناة والألم والخذلان ، أرسل لي تسجيلاً صوتياً للدكتور / مراد وهبه ، أعجبني المحتوى ، ووددت مشاركته مع القراء الكرام .
بداية سأسرد محتوى الفيديو نصّاً : [[ إحنا عايشين في العصور الوسطى ، أوضِّح : إحنا جزء من العالم الإسلامي ، العالم الإسلامي في تقديري انه محكوم في تيارين رئيسيين يحكمون العالم الإسلامي : الوهابية ، والإخوان المسلمين . الوهابية والإخوان المسلمين يستندوا الى ( إبن تيمية ) . إبن تيمية كان فقيهاً عاش في القرن ال ( ١٣ ) . كان يقول : ( ممنوع منعاً باتاً إعمال العقل في النص الديني ) ، لأنه بهذا الشكل القرآن يتحول الى مسألة مشوِهه ، كلها معاني ظاهرية ، لكن القول بان فيه معاني باطنية ونكتشفها في النص الديني ، هذا رجسٌ من عمل الشيطان . إبن تيمية من القرن ( ١٣ ) لكنه تحكّمَ في الوهابية والإخوان المسلمين ، الوهابية في القرن ال ( ١٨ ) ، والإخوان المسلمين في القرن ال ( ٢٠ ) . فنحن الآن نعيش في القرن ال ( ١٣ ) . إذا قال لكم أحد بأننا نعيش في القرن ( ٢١ ) يكون يخدعكم . نحن نعيش الآن في القرن ال ( ١٣ ) . وهذا هو قرن العصور الوسطى ، لأننا محكومون بإبن تيمية .
كان هناك فيلسوفاً ثانياً إسمه ( إبن رُشد ) ، كان في القرن ال ( ١٢ ) ، وهذا أساس فكره إعمال العقل في النص الديني ، فكفروه ، وحرقوا كتبه ، وفي القرن ال ( ١٣ ) إبن تيمية كَفّرَ إبن رُشد ، وأصبح إبن رُشد هامشي في الحضارة الإسلامية حتى الآن ]] . إنتهى الإقتباس .
أرى انه من الضروري ان أُبين للقراء الكرام ان الدكتور / مراد وهبه ، إسمه مذكور في موسوعة الشخصيات العالمية ، حيث يعتبر من ال ( ٥٠٠ ) شخصية الأكثر شهرة في العالم . وهو عضو في عدة منظمات دولية منها : الأكاديمية الإنسانية ، والإتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية ، إضافة الى المجلس الأعلى للثقافة المصري ، كما انه عضو في (( الهيئة العلمية للجامعة العالمية للعلوم الإسلامية )) ، مع انه مسيحي الديانة .
أما إبن رُشد ، فهو : القاضي محمد بن احمد بن محمد بن أحمد إبن أحمد بن رشد الأندلسي ( أبو الوليد ) ، عاش خلال الأعوام ١١٢٦ — ١١٩٨ م . ولد في قرطبة ، وهو من أسرة كبيرة مشهورة بالفضل والرياسة . ودرس الفقه على المذهب المالكي ، والعقيدة على المذهب الأشعري . عرفه الأوروبيون معرفة كبيرة . ومن أقواله : ( من إشتغل بالتشريح إزداد إيماناً بالله ) . ومن أقواله أيضاً : ( إذا رأيت الخطيب يحث الفقراء على الزهد دون الحديث عن سارقي قوتهم فأعلم أنه لصّ بملابس واعظ ) . وكذلك قال ابن رشد : ( السياسة الأولى سياسة — أصحاب الخِسة و النذالة — وهي التي يتسلط فيها المتسلطون على المدنيين بأداء الإتاوة والتغريم ، ليس لأجل الإنفاق على الجنود الحُماه والحَفَظَه ( الجيش ) ، ولا لأجل تطوير المدينة ، وإنما يجمعون الثروة لأجل الرئيس الأعلى فقط ) . وكان من ضمن أسباب تكفير إبن تيمية لإبن رشد ، أن إبن تيمية رأى ان التأويل في النصوص الدينية بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار . وهذه المقولة ما زال يرددها الخطباء في المساجد حتى الآن . وترديدها دليل أكيد وقاطع على صحة ما قاله الدكتور / مراد وهبه بأننا نعيش في القرن ال ( ١٣ ) .
أما إبن تيمية فهو : تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن تيمية ، ولد في مدينة حرّان الواقعة جنوب تركيا عام ١٢٣٦ ، وتوفي عام ١٣٢٨ م . وقد اضطرت عائلته للنزوح منها الى الشام ، هرباً من هجمات التتار الزاحفة من الشرق صوب بلادهم ، سالبة منها الأمان والطمأنينة والإستقرار . ومن أقواله : ( ممنوع منعاً باتاً إعمال العقل في النص الديني ) . ومن أقواله أيضاً : ( القول بأن هناك معانٍ باطنية في القرآن ، ونكتشفها في النص الديني ، فهذا رجسٌ من عمل الشيطان ) . هو عالم مسلم مشهور ، فقيه ، مُحدِّث ، ومفسِّر ، ينتمي الى المذهب الحنبلي . يعرف بتفوقه في المعرفة الشرعية ، وقدرته على التفسير والإجتهاد ، وكان له تأثير كبير في الفكر الإسلامي ، خاصة في مجال الفقه والتوحيد .
الهدف من هذا المقال ليس التركيز على ما ذكره الدكتور/ مراد وهبه عن الحركة الوهابية وتنظيم الاخوان المسلمين الدولي ، فقط . بل أقصد التأكيد على ان المسلمين بكافة مذاهبهم ، وحركاتهم ، وتنظيماتهم ، غارقون في التخلف ، والتحجر . وفي تحجرهم هذا أضروا بالإسلام العظيم وشوهوه ، وحجّموه واظهروه كدين متخلف متحجر لا يقبل التحضر ، والانفتاح ، واطلاق الإبداع ، والسعي للرقي ، والتميز ، وتشجيع العلم ، والتطور ، والإكتشاف .
أرى ان التشدد حدّ التزمت الذي إتبعه إبن تيمية ومن سار على نهجه أضر بالإسلام . وهنا يقصد بالتشدد الغلو والمبالغة في فهم الدين وتطبيقه ، مما قد يؤدي الى إرهاق النفس وتنفير الناس من الدين . أما التزمت فهو الجمود والتقيد الحرفي بالنصوص دون فهم مقاصدها او مراعاة الظروف المحيطة ، مما قد يؤدي الى ضيق في الفهم وتشدد في المعاملة .
بهذا أرى انهم يدعون الى الغاء الفكر والتفكر والتدبر بأيات الله ، والغاء العقل . ألم يقل سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : بسم الله الرحمن الرحيم (( كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب )) . (( أفلم يتدبروا القول ، أم جائهم ما لم يأت أبائهم الأولين )) . (( الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار )) . ألم يعلموا بأن كلمة ( يتفكر ) قد تكررت في القرآن الكريم ( ١٨ ) مرة !؟ وكلمة يتدبر تكرر ذكرها في القران الكريم ( ٢ ) مرة . أليس هذا حثاً واضحاً على التفكر والتدبر !؟ ألم يستوعب هؤلاء ان إعمال العقل والتدبر يعمق الإيمان ويفتح الذهن .
دين الإسلام العظيم لا يدعو الى التحجر والإحجام عن التفكر والتدبر بالقرآن الكريم بل يحض ويحث على الإقدام بدل الإحجام عن التفكر والتدبر ، وان التفكر يعمق إسلام المسلم ، ويرتقي به .
يا له من عالَم إسلامي هزيل متخلف شوه الدين ، ودعا للانغلاق ، واهتم بالعبادات ، وتخلى عن المعاملات التي فيها رِفعة للاخلاق ، وسمو للقيم ، وتطور الحياة والتقدم الحضاري والابداع الانساني ، ولعب دور في الحضارة الانسانية التي اصبحنا عالة عليها .
أرى أننا لو اتبعنا نهج ابن رشد لرشدنا وتطورنا وتحضرنا . بالنسبة لي ارى ان الفرق بينهما كما الفرق بين الانغلاق والانفتاح ، بين التخلف والتحضر ، بين جمود العقل وانطلاقه .
وأختم وأقول ان تكفير إبن تيمية لإبن رشد هو تحجر ، وانغلاق ، وتقوقع في الفكر ادى الى تخلف حضاري خطير .