تكسي الغرام

4 د للقراءة
4 د للقراءة
تكسي الغرام

صراحة نيوز- بقلم: عاطف أبو حجر

صدق من قال إن أول “حب مراهقة” لا يُنسى.
وأنا أؤكد: لم ولن أنساه.
ليس لأنه كان رقيقًا أو مفعمًا بالمشاعر، بل لأنه جعلني أركض وكأنني في تصفيات الأولمبياد!
كانت تجربتي الأولى في الحب مزيجًا غريبًا من الرومانسية، والرعب، والركض العنيف، وانتهى اليوم بلقب غير متوقَّع:
بطل ماراثون المدينة الرياضية!
لكن بدون ميدالية.
كنت قد بلغت الرابعة عشرة من عمري، ولم أزر العاصمة عمّان إلا مرة واحدة.
انبهرْتُ بكل ما رأيته، لأكتشف لاحقًا أن “العاصمة” التي زرتها لم تكن سوى إشارة الدوريات في الجبيهة!
كنت قد رافقت صديقي عمر، ابن سائق البَكب، في رحلة لجلب طلبية بلاط صيني من محلّ مواد بناء أسفل عمارة على زاوية الإشارة.
بعد شهرين، جاءت زيارتي الثانية، ولكن هذه المرة بدافع مختلف تمامًا.
كنت قد تعرّفت على فتاة من عمري عبر زاوية “هوية المراسلة” في إحدى المجلات — أشبه ما تكون بوسائل التواصل الاجتماعي اليوم.
وبعد سلسلة من الرسائل والمكالمات الأرضية، اتفقنا أخيرًا على أول لقاء غرامي بريء.
وكانت هذه أول مرة أجلس فيها مع فتاة في حياتي.
حددنا الموعد في حديقة المدينة الرياضية المحاذية لستاد عمّان الدولي.
نزلت من الباص أمام البوابة وقلبي يدق بعنف.
كنت أمشي بتردد… رجل ورا رجل قدّام، وكأني داخل إلى امتحان رياضيات مفاجئ!
تقدمت بين الأشجار حتى وصلت إلى آخر كرسي إسمنتي في الزاوية المقابلة للمركز الثقافي الملكي.
جلست، أتأمل المكان وأتخيّل لحظة اللقاء.
وكنت قد أحضرت معي “الغرض”، وعصير “زاكي” بنكهة البرتقال.
كنت متفائلًا، متوقعًا أن يطول الحديث وتحلو الجلسة مع “الحبيبة”.
وما هي إلا دقائق حتى وصلت.
تبادلنا نظرات خجولة، ابتسامات سريعة، وهممت بمدّ يدي للسلام،
حين قُطع الموقف فجأة بصوت جهور يصيح من بعيد:
“ابعد إيدك… بقص خبرك إذا بتلمس إيدها!”
ارتبكت.
نظرت نحو مصدر الصوت، فرأيت شابًا ضخمًا، مفتول العضلات، يركض نحونا بسرعة “قلاب ٨ متر مهور”!
صرخت الحبيبة:
“مين؟! أخوي فلاح!”
لم يكن لدي وقت للتفكير.
غريزة البقاء اشتغلت، والفليلة نصّ المراجل.
ركضت!
بسرعة البرق… لا، أسرع!
اختبأت بين الأشجار، أتنفّس بصعوبة، أبحث عن مخرج.
وإذا بي أجد نفسي في مضمار الركض المخصص للرياضيين، وسط مجموعة من العدّائين المحترفين.
فما كان مني إلا أن اندمجت بينهم، وكأنني واحد منهم.
أما “فلاح”، فقد وقف عند البوابة، يراقب بعينيه الناريتين، لكنه لم يرني.
ربما ظن أنني تحوّلت إلى لاعب محترف في ألعاب القوى.
بعد دقائق، انسحب باتجاه الشارع، وأنا ألهث كأنني خرجت للتو من سباق دولي.
تحولت إلى بطل ماراثون رغمًا عن أنفي،
وما زلتُ أحمل بيدي “الغرض” و”عصير البرتقال”،
وقد تأكدت لاحقًا أنني فشلت في أول علاقة غرامية،
كما فشلت في تقديم “الغرض” للحبيبة!
وأقسمت حينها — بصوت داخلي مبحوح — أنني لن أكررها ما حييت.
وللعلم فقط…
بعد شهر من الحادثة، اتصلت بي “الحبيبة”، وسألتني ببراءة:
“نفسي أعرف شو كنت جايبلي هدية؟”
تقصد طبعًا “الغرض”.
فأجبتها فورًا:
“أكيد مش ميدالية لفلاح… لأني سبقته، واللي سبق أكل النبق… ونفدت بريشي!”
ولازلتُ حتى الآن أحتفظ بالغرض.”واكتشفت في النهاية أن قلبي لا يزال يخفق، وقد سبق حتى أن تكسي الغرام.”

Share This Article