صراحة نيوز- بقلم /النائب حسين كريشان
في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة، يبرز رقم مفزع يتردد بقوة في المشهد الأردني: أكثر من 430 ألف شاب وشابة خارج سوق العمل. هذا الرقم لا يمثل مجرد إحصائية عابرة أو بيانات موسمية، بل يعكس أزمة وطنية عميقة تضرب في صميم بنية المجتمع وتطعن أحلام جيلكامل في الاندماج والمشاركة والإنتاج. فالشباب الذين يُفترض أن يكونوا المحرك الأساسي للتنمية والابتكار، باتوا أسرى الانتظار، يطاردهمالقلق من المجهول، ويثقل كاهلهم عبء البطالة والفراغ والإحباط.
هذا الواقع يكشف عن اختلالات متراكمة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، حيث لم تفلح الخطط السابقة في خلق فرصعمل كافية، ولم ينجح التعليم في إعداد خريجين يمتلكون المهارات التي يطلبها السوق. كما أن الكثير من الوظائف المتوفرة تتركز فيقطاعات محدودة جغرافياً، ما يزيد من تهميش المحافظات النائية ويدفع العديد من الشباب للهجرة نحو العاصمة أو حتى خارج البلاد بحثًاعن فرصة.
المشكلة لا تكمن فقط في غياب الوظيفة، بل في غياب الرؤية طويلة الأمد التي تضع الإنسان في قلب المعادلة التنموية. هناك حاجة ماسة إلىاستراتيجية وطنية حقيقية تعيد الاعتبار للتدريب المهني، وتدعم الريادة والابتكار، وتحفّز الاستثمار في المحافظات، وتربط مخرجات التعليمبسوق العمل على أسس واقعية وديناميكية. كما لا بد من إعادة بناء الثقة بين الشباب والمؤسسات، فالشعور بالخذلان من السياسات المتكررةوغير الفاعلة، ترك أثرًا سلبيًا في نفوسهم، وولّد قناعة بأن الجهد الفردي وحده لا يكفي، وأن الطريق نحو الاستقرار المهني بات أكثر وعورة.
430 ألف شاب وشابة خارج السوق ليسوا مجرد أرقام، بل قصص إنسانية مؤلمة، وأحلام مؤجلة، وأسر تنتظر، وطاقات تتبدد، ومستقبلوطن على المحك. التعامل مع هذه الأزمة يتطلب أكثر من وعود، وأكثر من برامج مؤقتة. المطلوب تحول عميق في طريقة التفكير، وفي آلياتصنع القرار، وفي توزيع الموارد، وفي فهم معنى العدالة الاقتصادية. فالبطالة اليوم لم تعد ظاهرة اقتصادية فقط، بل تحولت إلى أزمة أمناجتماعي، وإلى مؤشر خطير على اتساع الفجوة بين الدولة والمواطن، وبين الحلم والواقع.
وإن لم تُوضع حلول جذرية ومستدامة تنطلق من فهم حقيقي لاحتياجات الشباب وتطلعاتهم، فسيبقى هذا الرقم يرتفع عامًا بعد عام، وستفقدالدولة أهم ما تملكه: ثقتها بشبابها، وثقة شبابها بها.