صراحة نيوز – بقلم / زيدون الحديد
مع تزايد الحديث في الأوساط السياسية والإعلامية هذه الأيام عن قرب تعديل وزاري مرتقب، عادت إلى الواجهة تصريحات سابقة أطلقها العين عمر العياصرة، حين قال ساخرا إن “كل من يرتدي قرافة في الأردن هذه الأيام يحلم أن يصبح وزيرا”.
ورغم أن التصريح جاء حينها في سياق عفوي ساخر، إلا أن جزءا كبيرا مما قاله العياصرة يلامس واقعا سياسيا نعايشه مع كل تعديل وزاري، حيث تتدافع الأسماء في الكواليس، وتتصاعد وتيرة الإشاعات، ويرتدي البعض قرافته استعدادا لصورة التعيين أكثر مما يستعد لفكرة تحمل المسؤولية.
في المقابل، هناك أسماء أخرى تستحق فعليا أن تتصدر المشهد إن سنحت الفرصة، لأنها تحمل في رصيدها خبرات وتجارب تؤهلها، بعيدا عن المظهر أو الرغبة العابرة بالمنصب، وتملك وعيا بأن الوزارة ليست وجاهة، بل مسؤولية ثقيلة وأمانة وطنية.
وهنا من المهم أن نميز بين من يرتدي القرافة طمعا، ومن يرتديها احتراما للموقف، وعلى “سبيل الدعابة” أعترف أنني أرتدي القرافة في لقاءاتي وأعمالي، لا لأنها طريق لمنصب، بل لأنها جزء من احترام المقام، وعنوان التزام وانضباط في العمل العام، ولست ممن يتسابقون على مقاعد الوزارة، لأنني أعي جيدا أن المنصب تكليف ثقيل لا تشريف عابر.
فالعياصرة كان محقا — بالنسبة لبعضهم— حين أشار إلى ظاهرة “القرافة السياسية”، لكنه بالتأكيد يدرك أن هناك قلة يرتدونها لأنهم أبناء مؤسسة وفكر وخبرة، لا طلاب منصب.
والمشهد اليوم يتكرر، والأسماء تتداول، ولكن تبقى الأمانة والكفاءة هي المحك، ويبقى الوطن بحاجة لمن يرتدي القرافة ويحمل الأمانة والمسؤولية، لا لمن يكتفي بالمظهر.
وبما انني أتابع اليوم أسماء تتردد في كواليس الحديث عن التعديل المقبل، يجدر بي — كمواطن أولا — أن أوجه نصيحة صادقة لرئيس الوزراء جعفر حسان وأقول له: انه إذا كان ثمة تعديل مقبل، فمن الأجدى والأكثر فائدة أن يمنح الشباب أصحاب الخبرة وأصحاب الرؤية المتجددة الفرصة، لا لأن الوزراء السابقين أقل كفاءة أو لسوء أداء — معاذ الله — بل لأن التجديد سنة حياة، وضخ دماء جديدة في الجسد الوزاري يمنح الحكومات دفعة حيوية، وفرصة لإثبات أن الأردن زاخر بالكفاءات غير التقليدية.
وليس في ذلك انتقاص من قيمة من سبق، فلكل زمن رجاله، ولكل مرحلة متطلباتها، غير أن تكرار ذات الأسماء وذات الملامح يعكس حالة عجز عن التجديد، لا حاجة فعلية لهؤلاء الأشخاص، فالتغيير الصحي هو ذاك الذي يمزج بين الخبرة والشباب، بين التجربة المتراكمة والرؤية الطموحة، ويمنح الفرصة لمن يملك الشجاعة أن يطرح أفكارا غير تقليدية، ويكون صوته مسموعا لا محسوبا.
ولن يكون هذا التغيير ممكنا إلا إذا امتلكت الحكومة شجاعة عدم استنساخ الوزراء، وتجاوزت الحلول الآمنة، وقررت منح الثقة لأسماء جديدة قادرة على الحضور والقرار والإنجاز، ففي النهاية، القرافة مجرد قماش تزين الرقبة، أما العقل فهو ما يزينه الفكر.