صراحة نيوز- في تطور علمي غير مسبوق، شهدت المملكة المتحدة ولادة ثمانية أطفال أصحاء باستخدام تقنية مبتكرة في التلقيح الصناعي (IVF)، تهدف إلى منع انتقال الأمراض الوراثية المتعلقة بالحمض النووي للميتوكوندريا من الأم إلى الطفل.
وبحسب دراسة نُشرت يوم الأربعاء، 17 تموز/يوليو 2025، فإن هذه التقنية المعروفة باسم “تبرع الميتوكوندريا” تعتمد على دمج نواة بويضة الأم مع نسبة صغيرة من الحمض النووي الميتوكوندري السليم من متبرعة، بالإضافة إلى الحيوان المنوي من الأب. ورغم أن الإعلام أطلق عليها اسم “تقنية الآباء الثلاثة”، إلا أن العلماء يؤكدون أن مساهمة المتبرعة لا تتجاوز 0.1% من الحمض النووي الكامل للطفل.
تمت التجربة في مركز نيوكاسل للخصوبة في شمال شرق إنجلترا، ونُشرت نتائجها في دورية New England Journal of Medicine، حيث أظهرت البيانات أن 22 امرأة خضعن للعلاج، وأسفر ذلك عن ولادة ثمانية أطفال – أربع فتيات وأربعة أولاد – تتراوح أعمارهم حاليًا بين أقل من ستة أشهر وأكثر من عامين.
وأظهرت الدراسة أن نسبة الحمض النووي الميتوكوندري المُعيب، المسؤول عن أمراض مثل ضمور العضلات، والسكري، وفقدان البصر، قد انخفضت بنسب تتراوح بين 95% و100% لدى ستة من الأطفال، وبين 77% و88% لدى الاثنين الآخرين، وهي جميعها نسب أقل بكثير من الحد الذي يؤدي إلى ظهور المرض.
ورغم رصد اضطراب مؤقت في نظم القلب لدى أحد الأطفال، والذي تم علاجه بنجاح، أكد الباحثون أن جميع الأطفال يتمتعون بصحة جيدة حتى الآن، مع استمرار المتابعة الطبية لرصد تطوراتهم على المدى الطويل.
وصف البروفيسور نيلس-غوران لارسون، الخبير السويدي في علم التكاثر، هذا الإنجاز بأنه “نقطة تحول”، مؤكدًا أنه يفتح باب الأمل أمام العائلات التي تعاني من أمراض الميتوكوندريا الوراثية “المدمرة”.
لكن ورغم هذا التقدم العلمي اللافت، تبقى التقنية محل نقاش أخلاقي واسع، خاصة في دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا، حيث لم تُمنح الموافقة الرسمية على استخدامها بعد. ويعترض بعض الخبراء على التقنية باعتبارها تمهيدًا لتدخلات أوسع في الهندسة الوراثية البشرية، ويتخوفون من الأبعاد الأخلاقية المرتبطة بتعديل الأجنة.
من جانبها، أكدت دانييل هام، مديرة مجلس نُفيلد لأخلاقيات البيولوجيا في بريطانيا، أن مراجعة المجلس كانت ضرورية لتوفير الإطار الأخلاقي الذي مكّن العلماء من المضي قدمًا في هذه التجربة. كما أوضح بيتر طومسون، رئيس هيئة الإخصاب البشري وعلم الأجنة البريطانية، أن استخدام هذه التقنية يقتصر حاليًا على الحالات ذات الخطورة العالية لانتقال أمراض الميتوكوندريا.
ولا تزال بعض التحديات التقنية قائمة، من أبرزها ما يُعرف بظاهرة “الانعكاس“، حيث قد يعاود الحمض النووي الميتوكوندري المعيب الظهور في بعض خلايا الطفل رغم نجاح تقليل نسبته في البداية.
ورغم اعتبار بعض العلماء أن نتائج التجربة ما تزال محدودة، إلا أن الأمل يظل معقودًا على هذا النوع من التقدم العلمي، الذي قد يمنح آلاف النساء فرصة حقيقية للإنجاب دون نقل الأمراض الوراثية إلى أطفالهن.