هذا هو الزمن الأغبر : زمن التصفيق والتطبيل والتزمير والتلون !

2 د للقراءة
2 د للقراءة
هذا هو الزمن الأغبر : زمن التصفيق والتطبيل والتزمير والتلون !

صراحة نيوز- بقلم د. زيد أحمد المحيسن

في بلادٍ تغتسلُ بالمواعظ صباحًا، وتغطّ في سبات المصالح مساءً، لا مكان للطيّبين إلا في الهامش، ولا وظيفة للنبل إلا أن يكون مادةً للسخرية.

نعيش في عصرٍ تنقلب فيه الحقائق بتصفيقة، وتُعدم فيه القيم بجلسةٍ واحدة على كرسيّ القرار.
هنا، لا تُقاس المروءة بالثبات، بل بالقرب من “الواقف”.
فـ”الناس مع الواقف”، شعار المرحلة، دستور غير مكتوب، يتلوه الجميع سرًّا وجهارًا.

الشخص الطيّب – ذاك الذي يحمل أثقال الناس ويصمت – يُلقَّب ﺑـ”الجمل كثير المحامل”.
جملٌ يمضي بوقار، لا يُعرقل أحدًا، ولا يردّ إساءة.
لكن حين يتعثر، تتكاثر حوله السكاكين، ويهتف المارّة: “كنا نعلم أنه ضعيف منذ البداية!”
فلا أحد يتذكّر كم صبر، كم احتمل، وكم عفا.

وفي لحظةٍ – قد لا تزيد عن توقيع – يُعاد إلى الكرسي.
وهنا تنقلب اللغة، ويُبعث التطبيل من مرقده.
الناقدون يصطفّون للتهنئة، والمشككون يتحوّلون إلى ناصحين،
وكأن الذكرى قد مُسحت، وكأن الخيانة كانت سُوء فهم لا أكثر!

المنافقون في هذه الأرض بارعون، لا يتقاعدون.
يتلونون حسب درجة الإضاءة.
إذا سطع ضوءك، صفّقوا لك حتى يُصابوا بخشونة في أكفهم،
وإذا خفت، أنكروا معرفتك، بل لعنوا يوم دخلت فيه حياتهم.

أما الصادق، فغالبًا ما يُساق إلى زاوية النسيان،
لا لأنه فشل، بل لأنه رفض أن يرفع صوته في حفل الزيف،
ولأنه اختار الصمت على أن يكون بوقًا لمهرجان النفاق.

يا سادة، إن التاريخ لا يحفظ أسماء المتملقين،
بل يدوّن أولئك الذين وقفوا حين جلس الجميع،
الذين مشوا عكس التيار، لا بحثًا عن الشهرة، بل حفاظًا على المعنى.

نحن اليوم لا نفتقد الشجعان، بل نفتقد الذاكرة،
فذاكرتنا قصيرة، لا تحتفظ إلا بصورة من جلس، ولا تعترف بمن وقف ثم غاب بصمت.

وما أسوأ أن يتحوّل الوطن إلى مسرح،
تتبدّل فيه الأدوار، وتبقى الكراسي نفسها،
والجمهور يصفّق، لا لمن يستحق،
بل لمن لا يزال واقفًا!

Share This Article