الملك عبد الله الثاني وهزائم نتنياهو المتتالية: من القدس إلى الجنوب السوري

4 د للقراءة
4 د للقراءة
الملك عبد الله الثاني وهزائم نتنياهو المتتالية: من القدس إلى الجنوب السوري

صراحة نيوز-بقلم د فاطمة العقاربة

استطاع الملك عبد الله الثاني أن يسجّل مواقف استراتيجية حاسمة ألحقت خسائر سياسية متتالية ببنيامين نتنياهو، بدءًا من ملف القدس، مرورًا بمحاولة تهجير أهالي غزة، وصولًا إلى التحرك الأردني غير المعلن في الجنوب السوري، الذي تجلّى في دعم تشكيلات عشائرية سورية لمواجهة حلفاء إسرائيل غير المعلنين.

أولًا: القدس… إسقاط الأمر الواقع

في عام 2017، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لإسرائيل، ما شكّل ذروة في المشروع الصهيوني الساعي لفرض الأمر الواقع. إلا أن الموقف الأردني – المستند إلى الوصاية الهاشمية التاريخية – تصدّر المواجهة، حيث خاض الملك عبد الله الثاني معركة دبلوماسية شرسة، قاد فيها حراكًا دوليًا وعربيًا أسهم في عرقلة استكمال تنفيذ مخطط تهويد القدس، وأعاد التذكير بشرعية الدور الأردني ومكانة القدس في وجدان الأمة.

ثانيًا: إسقاط مشروع التهجير الغزي

في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، ظهر خطاب سياسي إسرائيلي وأميركي يدفع نحو “حل مؤقت” عبر تهجير السكان نحو سيناء أو الأردن. لكن الرد الأردني كان صلبًا وحاسمًا، إذ أعلن الملك عبد الله الثاني أن “الخط الأحمر” يتمثل في المساس بالأردن أو في أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية على حسابه.

العمل السياسي والدبلوماسي الأردني في هذا الملف نجح في إفشال المشروع، وفرض معادلة مفادها أن الأردن لن يكون جزءًا من أي حلول تُبنى على التهجير أو تصفية حق العودة.

ثالثًا: جيش العشائر… رسالة غير مباشرة لحلفاء تل أبيب وعصائب الحشد الايرانية والجماعات الارهابية

بعيدًا عن العناوين العريضة، فإن ما جرى مؤخرًا في الجنوب السوري من مواجهات بين “جيش العشائر” السوري – المدعوم أمنيًا ولوجستيًا من الأردن – وبين مجموعات انفصالية تتلقى دعمًا ضمنيًا من أطراف ترتبط بتل أبيب، يمثل محطة مفصلية في مواجهة محاولات زرع الفوضى على خاصرة الأردن الشمالية.

جيش العشائر، الذي تشكّل من أبناء المنطقة بدافع الدفاع عن الأرض والهوية، نجح في تفكيك مجموعات ارهابية مسلّحة حاولت تشكيل واقع جديد قرب الحدود الأردنية، ضمن مشروع تخريبي يُعزز من تهريب المخدرات والسلاح، ويخلق كيانًا غير مستقر يخدم مصالح إقليمية معادية.

الدعم الأردني لهذه التشكيلات العشائرية لم يكن إعلان حرب، بل رسالة ذكية مفادها: “لن نسمح للفوضى الفصائل الارهابية أن تتسلل إلينا، ولن نسمح لأي نفوذ خارجي أن يبني له وكلاء على حدودنا.”

رابعًا: العشائر… امتداد أردني في الأرض السورية

من المهم الإشارة إلى أن الأردن لا يدعم جماعة مسلحة عابرة، بل يُدرك أهمية البُعد العشائري في نسيج المنطقة. فالعشائر السورية والأردنية ترتبط بروابط تاريخية واجتماعية متجذرة. وعندما يقف الأردن خلف تشكيلات عشائرية سورية، فهو يعزز مناعة المجتمع ضد الارهاب، ويعيد التوازن الميداني دون الدخول في مغامرات عسكرية مباشرة.

هذه المقاربة تحاكي فكر الدولة العميقة في الأردن، وتُعيد صياغة مفهوم “الردع الوقائي” بطريقة تنسجم مع الجغرافيا، والهوية، والمصالح العليا.

ملك يعرف كيف يصمت… ومتى يضرب

في عالم تتداخل فيه المصالح وتتشابك فيه الجبهات، أثبت الملك عبد الله الثاني أنه لا يحتاج إلى ضجيج إعلامي ليصنع الفرق. فهو يختار توقيت المعركة، وأدواتها، وحلفاءها، بدقة القائد الذي يفهم خارطة النار وحدود الوطن.

من القدس إلى غزة، ومن الميدان الدبلوماسي إلى جنوب سوريا، سطّر الأردن ثلاث هزائم متتالية لبنيامين نتنياهو ومشاريعه:

أفشل تهويد القدس،

أسقط التهجير،

وأعاد ضبط ميزان القوى قرب حدوده.

في كل ذلك، لم يُطلِق الأردن رصاصة في الهواء… بل أطلق موقفًا، ودعمًا، وتحركًا ذكيًا، أثبت أن السيادة تُحمى بالقوة المستندة الى العقل والحكمة

Share This Article