قبلة فتاة وجوع أخرى… هكذا أصبحنا

2 د للقراءة
2 د للقراءة
قبلة فتاة وجوع أخرى… هكذا أصبحنا

صراحة نيوز-بقلم الإذاعي: شريف عبد الوهاب ” رئيس شعبة الإذاعيين العرب ”

في عالمٍ فقد توازنه، لم يعد غريبًا أن تُمنَح القبلة على المسرح، بينما يُحرَم طفلٌ من شربة ماء. مشهدان متناقضان جمعتهما اللحظة نفسها: فتاة تندفع من بين الحشود لتصعد خشبة المسرح، تقبّل مطربها المفضل، وتخطف شهقة من جمهور يبحث عن المتعة في زمن التسطح. وفي اللحظة ذاتها، في غزة المحاصرة، فتاة أخرى تُطارد فتات خبز، تحلم بجرعة ماء، تتوسل الحياة من خلف ركام الموت وركام الصمت.

أي مفارقة هذه التي جعلتنا شعبًا يتلوى تحت مقصلة القهر، بينما يتبرّج البعض وكأنهم في كوكب آخر؟ كيف سقطنا في هذا التشظي الأخلاقي؟ فتاة تروي شهوتها، وأخرى لا تجد ما تروي به رمقها. فتاة تحظى بقبلة وسط تصفيق الكاميرات، وأخرى تُحتضر في ظل صمت العالم ونفاق الخطابات.

لقد انقلبت المعايير. صار الحب مشهدًا يُسجّل، والجوع واقعًا يُنسى. أصبحنا نُدهَش من اقتحام فتاة للمسرح، ولا تُحرّكنا دموع فتاة فقدت أمها وأبيها وشرفها على يد آلة القتل.

صرنا نهتف للقبلة، ولا نقرأ الفاتحة على الجوعى.

في زمن اختلال الأولويات، تغيب الروح الجمعية، ويُصبح الفرد مركز الوجود. لم تسأل تلك الفتاة التي صعدت إلى المسرح: هل ما أفعله يحمل وزنًا أخلاقيًا في زمنٍ يموت فيه إخوتي جوعًا؟ لم تُدرِك أنها بقبلة واحدة أعلنت انسلاخًا عن الألم العربي، عن النبض الإنساني، عن الضمير الجمعي الذي كُنّا نفتخر به يومًا.

غزة تنزف… وقلوبنا لا تشعر.
الأقصى يُداس… وأعيننا تتابع عروض الأزياء.
العرب على طاولة التاريخ، بعضهم يُساق إلى المحارق، والبعض الآخر يُساق خلف أوهام الشهرة والفراغ.

هكذا أصبحنا…

قبلة هنا، وموت هناك.
مسرح هنا، ومقبرة هناك.
فتاة ترتوي، وفتاة تموت.
وأمة تتأرجح بين الصمت والخذلان.

Share This Article