صراحة نيوز- بقلم / عوض ضيف الله الملاحمة
كلما ( تتفكر ) ، ( تتحير ) أكثر في كيف تسير هذه الحياة . تداخلاتها ، وتعقيداتها ، وتقلبها بين البساطة والتعقيد ، وبين اليسر والعسر ، وبين الثراء والفقر ، وبين الأخذ والعطاء ، وبين الشدة والرخاء ، والتآلف والتنافر ، وبين المحبة والكره ، وبين المودة والبُغض ، وبين الإيثار والإنكار ، وبين الأُلفة والنفور ، وبين السِتر والفجور ، وبين القُرب والبعد ، وبين التفاني والحجود ، وبين طلاقة الوجه والصدود ، وبين الموت والحياة .
سلطان النوم يسرق العمر ، ولا نعرف كيف ينقضي العمر ، ويمر . النوم يسرق ثلث العمر ، ثلث العمر يطير ، تكون فيه مع الأموات ، وانت مجبر عليه ، وتسعى اليه ، ولولا تضحيتك بثلث العمر ، فانك لن تقوى على ان تعيش وتتمتع بالثلثين الباقيين .
وعليه أنا أرى ان يُحسب عمر الإنسان بعد بإسقاط ثلثه . فمثلاً من عمره ( ٣٠ ) عاماً ، فعمره الذي عاشه فعلياً ( ٢٠ ) عاماً ، لأنه فقد ( ١٠ ) سنوات من عمره قضاها نائماً . ومن عمره ( ٦٠ ) عاماً فعمره الذي عاشه فعلياً ( ٤٠ ) عاماً . ومن عمره ( ٩٠ ) عاماً فعمره المُعاش ( ٦٠ ) عاماً .
في النوم يكمن سر كبير ، وحوله جدلٌ خطير ، تكون فيه ميتاً مع انك حيّ ، ومحسوب على الأحياء . فمصانع الجسد كلها تعمل بروية ، وانضباطية ، وهدوء ، لتُبقيك مع الأحياء . وهناك حياة تحياها في الخفاء . حياة عالم الأحلام ، تتطوف في الخفاء ، وتختصر المسافات ، وتقابل وتتعامل مع الأحياء والأموات . وظلمة النوم تتحول الى ضياء ، والبعيد يصبح قريباً ، وتنطق الأموات ، وتتعدد الأحداث ، ففي ثوانٍ ربما تحصل احداث تحتاج الى سنوات لتحدث في الواقع الحياتي المعاش . وتتعدد المشاعر ، وتتقلب ، وتكثر الآهات ، والافراح والأتراح ، وتتنبأ بالمستقبل ، وتشهد الاحداث الكثير من التقلبات ، ويمتزج المنطق مع اللامنطق . وربما تكتمل بعض الأحداث ، وتتشظى وتُبتر أحداث ، دون تفسير ، وتحذير ، ولا يتضح المصير .
أحياناً تتحقق بعض الأحلام ، ويحدث ما رأيته في المنام ، ويصبح حقيقة واقعية ، وكأنه رؤيا ، واحياناً تكون ليس أكثر من أضغاث أحلام . ولا يجد العلم والمنطق لذلك تفسيراً . وبين سهولة حدوث بعض الاحداث ، يشهد بعضها تعسيراً . وأحياناً ترى أُناساً لم تقابلهم في الحياة ، واحياناً تحلّق في عالم مجهول ، وتتخيل ان تحليقك يطول ، وتسيطر عليك الظنون ، والهواجس ، مع انك في الواقع ، قابع ، وتنام في بيتك ، وعلى سريرك ، وما تعيشه في حلمك ليس له علاقة بسريرتك ، وتقدم ثلث عمرك قرباناً او وقوداً ، او تعرِفة ، او ثمناً ، او ضريبة ، لتعيش الثلثين .
سبحان مقلب الأحوال ، والأزمان . سبحان من وهب الحياة للكائنات ومنها الإنسان ، ورحمه ربه وخفف عنه بالنسيان ، وقهر عباده بالموت . سبحان من خصّ مكنون الروح بنفسه ، سبحان من أوجد الحياة وجعل ثلث العمر يكون فيه الانسان مع الأموات ، تهيئة لما هو آت .