تَجَمَّلَ بِالرِّضَا

3 د للقراءة
3 د للقراءة
تَجَمَّلَ بِالرِّضَا

صراحة نيوز- بقلم: عاطف أبو حجر

استيقظتُ هذا الصباح، وأنا أُواجه تاريخًا أعرفه جيدًا…
لكنّني لا أحتفل به.
اليوم عيد ميلادي،
لا كعكة، لا شموع، لا أحد يسألني عن أمنيّة هذا العام.
فقط صمتٌ معتاد… وحوار داخليّ قديم يتكرّر كل سنة:
هل حقًا مرّ عامٌ آخر؟
هل كبرتُ؟ أم فقط تراكمتِ الأيّام فوق ظهري دون أن أشعر بها؟
في هذا اليوم، لا أتذكّر عدد السنين…
بل أتذكّر كيف قضيتُها وأنا أُؤجّل الفرح،
وأتجمّل بالرضا، كي لا يظهر على وجهي خيبتي من كل عيدٍ لم يُحتفل بي فيه.
أنا لا أكتب لأشتكي،
ولا لأتلقّى التهاني…
بل لأتذكّر – وأُذكّركم – أنّ بعض الأعياد تبدأ متأخّرة،
وأنّ أول كعكة قد تأتي بعد الطفولة بسنين…
لكنّها، رغم التأخير، قد تكون البداية الحقيقيّة لكلّ شيء.
نشأتُ في بيتٍ بسيط، ضمن مجتمعٍ فقير،
لم نكن نعرف شيئًا عن “عيد الميلاد”.
كنّا نكتفي برؤية مظاهره في المسلسلات.
لم نكن نعرف الكيك المغطّى بالكريمة، ولا الفراولة، ولا الشموع.
كلّ ما نعرفه هو الكَكْس، البرازق، والقُرْشَلَة…
وفي أحسن الأحوال، تصنع أمهاتُنا قالبَ كيكٍ بسيطًا… فقط لنأكله، لا لنحتفل به.
حتى جاء ذلك اليوم.
دُعيتُ إلى أول حفلة عيد ميلاد في حياتي: عيد ميلاد رامي، زميلي في الصف.
والدته أجنبية، وطلبت منه أن يدعو الجميع.
ذهبتُ مع عبّود، صديقي، وأنا أحمل كيس قُطّين، وهو أحضر زبيبًا بلديًّا.
أمّا باقي الزملاء… فاعتذروا. البعض خجل، البعض لم يُسمح له، وآخرون لم يملكوا هدية.
عندما وصلنا بيت رامي، شعرتُ كأنني دخلتُ في مشهدٍ من حلم.
فيلا من الحجر، أشجار سرو وصنوبر، كلب ضخم عند الباب.
دخلنا، ورأينا صالةً فخمة، ثريّا تتدلّى من السقف، زينة، بالونات، موسيقى،
وأمّ رامي تُرحّب بنا بلكنةٍ أجنبية مكسّرة.
ثم جاءت اللحظة…
تم تشغيل أغنية عيد ميلاد، أطفأنا الشموع، وأكلتُ للمرّة الأولى كيكًا بالكريمة.
لم يكن مجرّد طعم جديد…
كان اكتشافًا.
لحظة دهشة نقيّة.
كأنّ الحياة نفسها قالت لي:
“أهلًا بك، لقد تأخّرت كثيرًا.”
خرجتُ من الحفلة وأنا مذهول، مشوّش،
لا أعرف ماذا أشعر، ولا كيف أُخبر أحدًا بما حدث داخلي.
ومنذ ذلك اليوم، تغيّرت نظرتي لعيد الميلاد.
لم يعُد مجرّد تاريخ ولادتي…
بل صار اليوم الذي وُلدت فيه روحي.
بعد أن اشترينا قالبًا لصناعة الكيك من محلّ “برجوس”،
ومنذ ذلك الحين، إن سألني أحدهم عن تاريخ ميلادي، أبتسم وأغضّ الطرف وأقول:
“غَطَّرِشْتُ عن الجواب، لأن الجواب نفسه… هو الجواب.”
أنا لم أكذب يومًا…
لكنّني أتجمّل.
كما قال أحمد زكي في فيلمه الشهير:
“أنا لا أكذب ولكن أتجمّل.”
العُمر لا يُقاس بعدد الشموع،
بل بعدد اللحظات التي شعرتَ فيها أنك حيّ،
تشعر بالدهشة الأولى، بالفرحة المفاجئة،
وبالعيون التي تلمع لأجلك.
وما دامت القلوب تنبض،
والذكريات تتجدّد،
“كم أشتاقُ إلى طَعمِ قالبِ كيكِ أمي، والمختومِ بخَتمِ ‘بَرْجوس’.”

Share This Article