الناشر الإلكتروني ليس دخيلاً على الإعلام… بل قنطرة ل”صاحبة الجلالة”

4 د للقراءة
4 د للقراءة
الناشر الإلكتروني ليس دخيلاً على الإعلام… بل قنطرة ل”صاحبة الجلالة”

صراحة نيوز- بقلم: الناشر الإعلامي د. خلدون نصير

نشر الصحفي ماهر الشريدة أخيرا ما أسماه “توضيحًا قانونيًا” حول صفة “الناشر” في الوسط الإعلامي، وسط جدال حول حق ناشري المواقع الإلكترونية ومحرريها في تمثيل صناعة الإعلام وعضوية نقابة الصحفيين.

ادعاء الزميل الشريدة بحصر صفة “الناشر” بدور النشر يوحي بتضليلٍ مهني وقانوني.

إذ يتناسى الزميل أن الإعلام الرقمي امتدادٌ طبيعي للصحف الورقية، الصادرة عن شركات طباعة ونشر وتوزيع منذ عشرات السنين، بل أن ناشري هذه المواقع هم من حافظوا على جوهر الصحافة وأسسوا لاستدامتها، منذ إطلاق منصاتهم خلال العقدين الفائتين، مع تراجع الإقبال على الصحف وسط توقعات باضمحلالها.

وهكذا يحمل مقال الشريدة في طياته استخفافًا بدور المواقع الإلكترونية في المشهد الإعلامي الوطني، وتهجمًا مباشرًا على من أسسوا هذا القطاع وصنعوا له حضورًا وتأثيرًا يفوق بعض من يتشدقون بالصفة ويغيبون عن الميدان.

نقطتا نظام

أولا، من المؤسف أن يدعي الصحفي الشريدة “عدم وجود صفة ناشر” في الإعلام وكأن الواقع المهني والتشريعي توقف عند تعريف قانون المطبوعات الورقي فقط. فليُذكّر الزميل بأن نظام ترخيص وتسجيل وسائل الإعلام الإلكترونية الصادر عن هيئة الإعلام يعترف صراحة بوجود “ناشر إلكتروني”، بل ويُطالب بتقديم بياناته الرسمية عند الترخيص، ويمنح الموقع شخصًا مسؤولًا يُشار إليه بالناشر أو المدير المسؤول وفقًا لطبيعة الشركة. فأين الالتفاف على القانون الذي يتحدث عنه الكاتب؟ وعلى من يقرأ القانون أن يقرأه كاملًا لا أن يقتطع منه ما يخدم أهواءه؟

ثانيًا، حين يتحدث الصحفي الشريدة عن أن “من يؤسس موقعًا لا يُعد صحفيًا”، فهذا أمر لا خلاف عليه، لكن من قال إن الناشرين يقدّمون أنفسهم كصحفيين؟ إنهم أصحاب شركات إعلامية مرخصة، يُوظفون ويُعينون صحفيين، ويقودون منظومات عمل كاملة، وفّروا – حسب الإحصاءات الرسمية – أكثر من 450 فرصة عمل مباشرة بين محرر ومصور ومراسل، ناهيك عن المئات من فرص التدريب والتعاون. فهل المطلوب أن يُجرد هؤلاء من أي صفة، فقط لأنهم لم ينتظروا رخصة من نقابة شبه مغلقة ترفض ضم أكثر من نصف الجسم الإعلامي تحت مظلتها؟

ثالثًا، في الأردن 132 موقعًا إخباريًا مرخصاً، وكل منها يُلزم قانونيًا بتعيين رئيس تحرير من أعضاء نقابة الصحفيين الأردنيين. وهذا يعني أن هناك ما لا يقل عن 135 صحفيًا معتمدًا رسميًا يشغلون مواقع قيادية في هذه المنصات، ويشكّلون بذلك نسبة فاعلة ومؤثرة في بنية النقابة، لا يمكن تجاهلها أو التقليل من شأنها.

رابعًا، من غير المقبول الاستمرار في نهج “الوصاية المهنية” على الإعلام الإلكتروني، وقد أصبح اليوم المصدر الأول للأخبار في الأردن، والأكثر تأثيرًا وانتشارًا، وبشهادة الجمهور والمؤسسات الرسمية. بل إن بعض من ينتقدون الإعلام الإلكتروني لم يستطيعوا بناء صفحة فيسبوك عليها 500 متابع، بينما هذه المواقع – بمن فيها من “ناشرين” – صنعت منصات يقرأها مئات الآلاف يوميًا.

خامسًا، من يحمل صفة “ناشر” ويملك منصة إخبارية مرخصة من الدولة، ويدفع ضرائب، ويُعيل أسرًا ويستثمر في الإعلام، لا يحتاج شهادة أخلاق مهنية من أحد. ومن يريد حصر المهنة في كرت “باج” نقابة، فليعلم أن الكفاءة والممارسة والالتزام بما تنشره المواقع هو ما يحكمها، لا الصراخ في الزوايا المهملة للصحافة الورقية.

وفي الختام، من المؤسف أن يأتي هذا الهجوم من صحفي على زملاء له في المهنة، لا لأنهم ارتكبوا تجاوزات، بل لأنهم اختاروا طريق الاستقلالية والريادة في قطاع أصبح أكثر تأثيرًا من النشرات الرسمية.

كرامة الإعلام لا تُصان بإقصاء زملاء المهنة ولا بإقصاء المسميات، بل تُصان باحترام كل من يسهم في صناعة إعلام حر، مسؤول، ومنفتح. ولا ينكر ذلك إلا جاحد… أو خائف.

Share This Article