صراحة نيوز- بقلم د.زهور غرايبة
يقف المجتمع المدني والمسيرة التنموية في الأردن أمام مفترق طرق حاد، وسط تقليص متسارع للتمويل الذي طالما أسهم في تحفيز برامجه ومراكزه ومبادراته، آلاف الموظفين فقدوا عملهم بالفعل، وآلاف آخرون مهددون بالفقد القريب، لا لذنب اقترفوه، لأن برامج التنمية المستدامة باتت تعاني من شح الموارد وتضاؤل الدعم المخصص لها في المنطقة، نتيجة قرارات دولية مفاجئة انعكست بظلالها الثقيلة على الشرق الأوسط، وكان الأردن في القلب منها.
اليوم وفي كل وقت يغوص المجتمع المدني في الأردن في تيارات لا يمكن التنبؤ بمصيرها، هذا المجتمع الذي كان ولا يزال رديفًا للحكومات وخطًا وطنيًا مساندًا في مواجهة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، بات في خطر حقيقي الذي لم يكن مجرد عناوين لمراكز أو مؤسسات أهلية، إنما شبكة أمان اجتماعية، وملاذ حقيقي للنساء والشباب والأسر الهشة، وذراع حيوية في تعزيز حقوق الإنسان، والتنمية، والمواطنة الفاعلة.
ولأن الحقيقة لا تخفى، فإن هذا القطاع لم يكن يومًا عدوًا أو خصمًا، بل شريكًا موثوقًا في البناء الوطني، لم يعمل يومًا وفق أجندات لاوطنية، نشأ وترعرع في كنف القيم الأردنية، متوافقًا مع العادات والتقاليد، ومنسجمًا مع السياسات العامة للدولة، بل ومتقدمًا في بعض الملفات، حين كان رائدًا في مواجهة تحديات الفقر والبطالة والزواج المبكر والعنف بمختلف أشكاله.
ليس من المبالغة القول إن المجتمع المدني في الأردن هو مدرسة وطنية خرّجت الآلاف من القيادات والمفكرين والخبراء والوزراء والمسؤولين الذين تبوأوا مواقع عليا داخل الأردن وخارجه، في جنبات هذه المؤسسات، صيغت الرؤى الوطنية، وتكوّنت العقول، وتفتّحت الإمكانيات، بإيمانٍ حقيقي بأردن أفضل.
لكن الصورة اليوم قاتمة، المشاريع تغلق، والمكاتب تخلو من موظفيها، والأسر تفقد مصدر رزقها، والشباب الذين تلقوا تدريبًا وتمكينًا يعودون إلى دائرة الانتظار، إنها أزمة غير مرئية في ظاهرها، لكنها عميقة في آثارها، تهدد بإضعاف قطاعٍ لطالما كان الحارس الاجتماعي في الأزمات، والدرع الوقائي للمجتمع.
هل من طوق نجاة؟ هل من جهة وطنية تقرأ المشهد كما هو دون تحفّظ؟ في ظل وجود أكثر من 10 الاف موظف فقدوا عملهم في هذا القطاع حول العالم، فقد آن الأوان لإعادة التفكير في مستقبل هذا القطاع، ودعم استدامته، عبر آليات تمويل وطنية وتشبيك مع القطاع الخاص، وتمكين حكومي حقيقي للمؤسسات التي ما تزال تعمل بصمت رغم شح الموارد.