لكي نواجه العطش، فهل يمكن تعزيز الإمداد المائي عبر مشروع ناقل الديسة – عمّان؟

4 د للقراءة
4 د للقراءة
لكي نواجه العطش، فهل يمكن تعزيز الإمداد المائي عبر مشروع ناقل الديسة – عمّان؟

صراحة نيوز- كتب أ.د. محمد الفرجات

تاليا نناقش فرضية فيما لو فكرت وزارة المياه سد العجز المائي لمياه الشرب أو جزء منه، وذلك من خلال زيادة الضخ عبر ناقل الديسة-عمان.

يشهد الأردن هذا العام عجزًا مائيًا يقدّر بين 30 و40 مليون متر مكعب، وفق ما أعلنته وزارة المياه والري. هذا النقص يترك أثرًا مباشرًا على حياة المواطنين في جميع المحافظات، ويهدد استقرار التزويد المائي خاصة في محافظات الوسط والشمال ذات الكثافة السكانية الأعلى.
وفي ظل هذه التحديات، يبرز سؤال استراتيجي: هل يمكن زيادة الضخ من مشروع الديسة عبر الناقل الوطني (الديسة – عمّان) لتغطية جزء من هذا العجز؟

1. القدرة الحالية لناقل الديسة:
مشروع ناقل مياه الديسة يُعد العمود الفقري لتزويد العاصمة عمان ومحافظات أخرى بالمياه العذبة. ووفق تصريحات الوزارة، يتم تشغيل الخط بكامل طاقته التصميمية حاليًا. وهذا يطرح تساؤلًا هندسيًا حول ما إذا كانت هناك قدرة فائضة يمكن استغلالها أو تطويرها، خصوصًا أن أي زيادة في الضخ تستدعي مراجعة شاملة للطاقة الاستيعابية للأنابيب ومضخات الدفع.

2. البنية الفنية والتحمل التشغيلي:
زيادة الضخ دون دراسة فنية قد ترفع الضغط داخل الأنابيب إلى مستويات تتجاوز القدرة التصميمية، مما يزيد خطر حدوث تسربات أو انفجارات في مواقع الضعف على طول الخط. هنا تظهر أهمية اختبارات الضغط الهيدروليكي وتقييم العمر الافتراضي للمكونات قبل التفكير في أي زيادة.

3. الحاجة إلى آبار إضافية في حوض الديسة:
من الناحية المائية، فإن حفر آبار جديدة في حوض الديسة قد يوفّر كميات إضافية، لكن هذا الإجراء يجب أن يكون مصحوبًا بدراسات هيدروجيولوجية دقيقة لضمان عدم استنزاف الخزان الجوفي أو تدهور نوعية المياه نتيجة الانخفاض الحاد في المنسوب. فالحوض الجوفي في الديسة يُعد موردًا استراتيجيًا للأجيال القادمة، وأي استغلال مفرط قد يؤدي إلى فقدانه بشكل غير قابل للتعويض.

4. التأثير على الخزان الجوفي بالكم والنوع:
الضخ الإضافي قد يغيّر سلوك المياه الجوفية عبر انخفاض المنسوب، مما قد يسمح بتسرب مياه ذات ملوحة أعلى من الطبقات الجوفية العميقة، وهو ما قد يؤثر سلبًا على نوعية المياه الموزعة.

5. التخزين قبل التوزيع:
أي زيادة في الإنتاج تتطلب وجود خزانات استراتيجية قادرة على استيعاب الكميات الإضافية قبل توزيعها على المحافظات. إذا لم تتوافر هذه السعة التخزينية، فإن الزيادة قد تؤدي إلى اختلال في برامج التوزيع، خاصة في المناطق التي تعمل وفق نظام “الدور المائي” الأسبوعي.

6. جاهزية شبكات التوزيع:
حتى مع توفر الكميات الإضافية، لا بد من التأكد من أن شبكات التوزيع في محافظات الجنوب والوسط والشمال جاهزة تقنيًا لاستيعاب الحصص الجديدة. ويتطلب ذلك أعمال صيانة وتوسعة وربما تركيب محطات ضخ إضافية لضمان وصول المياه بضغط كافٍ إلى جميع المناطق المستهدفة.

7. إدارة المخاطر:
رفع كميات الضخ قد يزيد من احتمالية حدوث أعطال في الخط الرئيسي، مما يفرض على الوزارة تجهيز خطط طوارئ تشمل:

إنشاء خطوط بديلة أو فرعية في نقاط استراتيجية.

تركيب أنظمة مراقبة ضغط وتدفق آنية لرصد أي تغيرات قد تشير إلى خلل.

تدريب فرق الصيانة الميدانية على الاستجابة السريعة للأعطال.

8. التوصيات الاستراتيجية:

1. إجراء دراسة فنية عاجلة للطاقة الاستيعابية القصوى لناقل الديسة والضغط التشغيلي الآمن.

2. إطلاق مسوحات هيدروجيولوجية لتحديد إمكانية حفر آبار جديدة دون الإضرار بالخزان الجوفي.

3. توسيع سعة التخزين في المحافظات المستهدفة قبل أي زيادة في الضخ.

4. تعزيز شبكات التوزيع والبنية التحتية المصاحبة لضمان الاستفادة القصوى من الكميات الإضافية.

5. إدارة المخاطر عبر خطط بديلة وأنظمة مراقبة متقدمة.

6. التكامل مع مشاريع التحلية المستقبلية، بحيث لا يكون الاعتماد على الديسة طويل المدى.

إن التفكير في زيادة الضخ من ناقل الديسة – عمّان قد يكون جزءًا من الحل المؤقت لسد فجوة العجز المائي الحالي، لكنه ليس حلًا سحريًا. فالمعادلة المعقدة بين الطاقة الاستيعابية، الاستدامة البيئية، البنية التحتية، وإدارة المخاطر تفرض علينا أن نتعامل مع هذا المقترح كخيار تكتيكي ضمن استراتيجية مائية وطنية أشمل، توازن بين تلبية الاحتياجات الحالية وحماية الموارد للأجيال القادمة.

Share This Article