صراحة نيوز-كتب أ.د. محمد الفرجات
في الأيام الأخيرة، صدرت عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصريحات خطيرة، تحمل في طياتها نبرة توسعية تتجاوز حدود الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، لتلامس الأردن بشكل مباشر، في سياق ما يعرف بـ”مشروع إسرائيل الكبرى”. هذا المشروع، الذي تقوم ركائزه على إعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة وابتلاع مزيد من الأراضي العربية، لم يعد مجرد نظرية أو دعاية انتخابية، بل بات يترجم إلى سياسات ممنهجة على الأرض، تدعمها اليمين الإسرائيلي والتيارات الدينية المتطرفة.
التاريخ يخبرنا أن أطماع التوسع لا تتوقف عند حدود فلسطين التاريخية، بل تتسلل إلى ما وراء النهر، مستغلة أي ثغرات سياسية أو أمنية أو اقتصادية في محيطها العربي. ومن هنا، فإن تصريحات نتنياهو الأخيرة لا يمكن التعامل معها بوصفها مجرد استفزاز سياسي، بل هي إنذار استراتيجي يتطلب منا في الأردن إعادة تقييم منظومة الدفاع الوطني، بما يضمن أقصى درجات الجاهزية والردع.
لم نقبل بالسلام إلا لتستقر شعوب المنطقة، ونخفف الضغط الجيوسياسي على مسيرة تطور وتقدم العالم بقاراته، خاصة وأننا في منطقة تعد صمام أمان العالم، وعلى رأس الشمال لدول النفط التي تشغل عجلات ومصانع وطاقة العالم.
أمن الأردن… مسؤولية مستقلة لا تقبل التجزئة:
منذ تأسيس الدولة الأردنية، كان الأمن الوطني في صميم القرارات السياسية والعسكرية، وشهدنا تضحيات جسيمة لحماية الحدود والسيادة. لكن الواقع الجيوسياسي اليوم يفرض علينا الانتقال من منطق “رد الفعل” إلى منطق “الاستباق”.
ونحن إذ نقدر دولة الرئيس الدكتور جعفر حسان وجهوده الكبيرة في قيادة الحكومة، ندرك أن أمامه ملفات مصيرية أخرى تحتاج تركيزاً عالياً، مثل مواجهة آثار التغير المناخي التي تهدد قطاعاتنا الاقتصادية، ومعالجة مشكلات الفقر والبطالة، والتعامل مع الشح المائي وتبعاته، وإنعاش السياحة المتوقفة، وكسر حالة الجمود في القطاعات والأسواق، وإدارة ملف المديونية العامة، ومكافحة الترهل الإداري، وتحسين ملف الخدمات للمواطنين.
لذلك، فإن فصل وزارة الدفاع عن منصب رئيس الوزراء وإسنادها لشخصية عسكرية متقاعدة، سيكون خطوة لتعزيز القدرة الدفاعية للدولة، في الوقت الذي يتفرغ فيه الرئيس لإدارة هذه التحديات الداخلية الكبرى.
لماذا شخصية عسكرية؟
الجيش الأردني زاخر بالكفاءات من الضباط المتقاعدين الذين راكموا خبرات استراتيجية وميدانية على مدار عقود. هؤلاء يعرفون طبيعة التهديدات، وجغرافيا الأرض، وحساسية المشهد الإقليمي، ويستطيعون إدارة ملف الدفاع بكفاءة عالية بعيداً عن الحسابات السياسية اليومية لرئاسة الوزراء. وجود شخصية عسكرية فذة في هذا المنصب سيعني:
1. تركيز كامل على التهديدات الاستراتيجية القادمة من الخارج.
2. تعزيز التخطيط العسكري طويل المدى بعيداً عن الضغوط الآنية.
3. تنسيق احترافي مع الحلفاء الإقليميين والدوليين في مجالات الدفاع والأمن.
إسرائيل الكبرى… مشروع يهدد الأمن القومي الأردني:
إن أي تراخٍ في التعاطي مع تهديدات نتنياهو ومشروعه التوسعي سيُقرأ إسرائيلياً على أنه ضعف أو قابلية للاختراق. هذا المشروع، الذي يقوم على مزيج من القوة العسكرية، الضغط السياسي، والهندسة الديموغرافية، يهدف إلى خلق واقع جديد على الأرض، سواء بضم مناطق في الضفة الغربية أو بإيجاد ترتيبات جغرافية وسياسية تضع الأردن في دائرة الخطر المباشر.
الأردن بحاجة اليوم إلى قرارات استباقية جريئة، تعكس إدراك القيادة لحجم التحديات. وفصل وزارة الدفاع عن منصب رئيس الوزراء، وإسنادها إلى شخصية عسكرية متقاعدة، خطوة عملية لتعزيز منظومتنا الدفاعية، وتوجيه رسالة واضحة بأن أمن الأردن خط أحمر، وأننا مستعدون لأي سيناريو.