يوم الفشخة

3 د للقراءة
3 د للقراءة
يوم الفشخة

صراحة نيوز-عاطف أبو حجر

ليست كل “الفشخات” ناتجة عن شجار، ولا كل الجروح تُرى في ظاهر الرأس فقط…
أحيانًا، تأتي الضربة من مكانٍ تحبّه، من ظلّ شجرة زرعتها بيدك، وسقيتها بعرقك، وباركتها بذكرياتك.
وأحيانًا، تكون “الفشخة” مجرد حكاية، لكنها تكشف قلبًا، وبيتًا، وزوجة، وأسلوب حياة.
في هذا اليوم العادي، وقع ما ليس عاديًا…
قبل أيام، وبينما كنت أقوم بجمع الحبات المتساقطة تحت شجرة الخوخ في حديقة منزلي المتواضع، والتي قمت بزراعتها قبل ٢٢ عامًا تقريبًا، أذكر أنني ذهبت حينها إلى مشتل تابع لوزارة الزراعة في منطقة عين الباشا، واشتريت مجموعة من الأشجار المثمرة بسعر رمزي، خمسة وسبعون قرشًا للشجرة.
وكانت منوّعة: شجرتا تفاح أحمر، وشجرتا تفاح أخضر، وشجرتا إجاص، وشجرتا خوخ أحمر.
اهتممت بالأشجار حتى أصبحت مثمرة، نأكل منها ونطعم الجيران والأقارب، وحتى المارّين من الطريق.
نعود لقصتنا…
وبينما كنت أقوم بالتنظيف تحت شجرة الخوخ تحديدًا، رفعت رأسي إلى الأعلى بحركة سريعة، دون قصد أو انتباه، فارتطم منتصف رأسي بجذع الشجرة بقوة.
شعرت بعدها بدوار ودوخة، وعدم قدرة على الوقوف أو الاتزان.
جلست على الأرض وأنا أشعر بألم شديد في منتصف الجمجمة.
وبعد لحظة، وبأقل من دقيقة، شعرت بشيء ساخن ينساب على وجهي ورقبتي، وإذا به دم ينزف بغزارة من رأسي.
ركضت مسرعًا إلى المنزل، وناديت على زوجتي:
“يا أم أحمد، وينك؟”
وعندما فتحت الباب، صرخت في وجهي:
“مع مين متهاوش؟ أكيد تهاوشت مع جارنا… وفشخك؟
كم مرة قلت لك خليك رايق وما تتعصب؟!”
صرخت بها:
“هاتيلي حفنة قهوة نحطها على الجرح، وبلا تخبيص وكلام فاضي!”
وبعد لحظات، جلست على الكرسي، وأنا مدروخ تقول فعلاً طالع من هوشة، وماكل قنوة على راسي.
وهنا قالت أم أحمد ببساطتها، وسؤالها المعهود:
“بدي أسألك يا أبو أحمد، صحيح أنت عمرك تهاوشت مع حدا وانت صغير؟
بعدين يا زلمة، ما بشوفك بتحط قنوة بالسيارة تحت الكرسي، زي هالزلم!”
هنا صرخت بها مرة ثانية وقلت لها:
“قومي من وجهي واختصري الشر، ترى الشر من شرارة، والشر سياج أهله!
وكمان كلمة بجوز أفشخك أو تفشخيني!
عشان هيك… الله يستر بيتك، قومي سوّي لنا إبريق شاي بالزعتر نروق أعصابنا قبل ما نفقدّها!”
وما بين فشخة شجرة الخوخ، وصوت أم أحمد القلق، وانسياب الدم على الوجه…
كان هناك مشهد كامل لحياة بسيطة، لكنها مليئة بالدفء.
إنها ليست مجرد واقعة طريفة، بل شهادة وفاء لرجل زرع ليحصد، لا ثمراً فقط، بل علاقة نادرة بينه وبين أرضه، وبين قلبه وأبسط تفاصيل يومه.
“الشر من شرارة، والزعتر دواء، والضحكة من القلب… خير الختام.”
وفي يوم “الفشخة”، كتب قصيدة الحياة بطريقته، من غير قلم… بل بدم، وقهوة، وإبريق شاي بالزعتر.

Share This Article