احسنت حماس التوقيت

6 د للقراءة
6 د للقراءة
احسنت حماس التوقيت

صراحة نيوز- بقلم / حاتم الكسواني

أحسنت حماس بقبولها مقترح الهدنة المؤقتة المقدم من الوسطاء في ظرف تشتد فيه إعتراضات ذوي الأسرى الإسرائيليين على نتنياهو وإتهامه بأنه كان وراء إفشال جهود الواسطة كلما إنتعشت الآمال بعقد صفقة للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى حماس،.
ورغم زعم نتنياهو بأن حماس واقعة تحت ضغط هائل بسبب تهديده بإحتلال غزة  فإن كل المؤشرات تشي بأن إسرائيل بكلها وكليلها تعيش تحت ضغط هائل أيضا  ، فالعالم كله يعلن كرهه وإستياءه من التطرف الإسرائيلي الشامل الذي يتصف به المجتمع الإسرائيلي قيادة وجيشا وشعبا الأمر الذي دفع شعوب العالم إلى الامتناع عن التعامل مع مواطني إسرائيل إنما حلوا وارتحلوا ، و كذلك الإمتناع عن خدمة الطائرات و  البواخر الإسرائيلية  والمتوجهة نحو إسرائيل في مطارات وموانئ كثير من دول العالم .. ناهيك عن بدء بعض الدول الأوروبية بإلغاء مشاركة الشركات الإسرائيلية في إستثماراتها أيضا  .

ويعزز  خطوة حماس الخلاف الدائر في المجتمع الإسرائيلي على أشده بين أهالي الأسرى واليسار الإسرائيلي من جهة وحكومة اليمين المتطرف الذي يجلس على سدتها التلمودي بنيامين نتنياهو  حيث تنظم  المظاهرات بشكل يومي إعتراضا على سلوك نتنياهو المتهم من قبل عائلات الأسرى بوقفه خلف كل عمليات إفشال عقد صفقة تبادل للأسرى ووقف لإطلاق النار  .

والواضح بأن نتنياهو هو الذي يعيش تحت الضغط الهائل والإتهام بمواصلة الكذب والتضليل من اجل تحقيق مصالحه الشخصية السياسية والنفسية كشخص مريض مسكون بجنون العظمة الحالم بوضع نفسه كاعظم شخصية في تاريخ الكيان الصهيوني ظانا انه هبة من الله لإسرائيل ليقوم بمهمة تاريخية وروحانية تحقق الحلم التوراتي بإسرائيل الكبرى .

ورغم أن نتنياهو اليوم يعيش بأشد حالات ضعفه إلا أنه يوحي إعلاميا بأنه قوي  لأنه شخص مخادع يتقن الكذب و  يتمتع  بالقدرة على لعب الأدوار المختلفة  و التحكم بمشاعره  وإخفائها .

اما الإقتصاد الإسرائيلي فهو  يواجه  صدمة كبير مباشرة بعد طوفان الأقصى 2023. ظهرت في انخفاض حاد في الناتج المحلي الإجمالي  نتيجة النقص الحاد في معدل العمالة في سوق العمل  بسبب تجنيد شريحة واسعة من الاحتياط ودفعها لجبهات للقتال  على جبهات متعددة .

ولأن لا  قدرة للإقتصاد الإسرائيلي على تحمل استمرار الحرب على المدى الطويل فمن المتوقع أن يؤدي استمرار الصراع إلى زيادة كبيرة في الدين العام ونفقات الفائدة، مما يضغط على الميزانيات المستقبلية ويقلل من قدرة الحكومة على الاستثمار في محركات النمو. كما أن مخاطر الركود التضخمي وتخفيضات التصنيف الائتماني تظل قائمة، مما قد يزيد من تكلفة الاقتراض ويؤثر على ثقة المستثمرين بالاقتصاد الإسرائيلي وبجدوى الإستثمار فيه في ظل حروب متواصلة أصبحت سمة تميز سلوك الكيان الصهيوني التوسعي في أعين كل مجتمعات العالم ومستثمريه  .

لقد فرضت حرب طوفان الأقصى كلفة باهظة و ضغوطًا مالية كبيرة على الكيان الصهيوني . فقد ارتفع الإنفاق العسكري بنسبة 65% في عام 2024، ليصل إلى 46.5 مليار دولار (8.8% من الناتج المحلي الإجمالي)، مما يجعله ثاني أعلى إنفاق عسكري في العالم كنسبة من الناتج المحلي بعد أوكرانيا  ،  وتُقدر التكاليف المباشرة للحرب على جميع الجبهات بحوالي 250 مليار شيكل (66 مليار دولار) منذ 7 أكتوبر 2023، وقد كلفت المواجهة مع إيران وحدها حوالي 6 مليارات دولار في 12 يومًا .

من جانب آخر فإن  إسرائيل تعاني من نقص في الجنود والعتاد اللازمين للسيطرة على غزة وحدها فكيف يمكنها أن تواجه مخاطر على عدة جبهات في آن معا  ،  كما يعاني جيشها من إرهاق ، وتدني في   الكفاءة ،  ونقص في اليقظة  مما مكن المقاومة الفلسطينية من النجاح في إصطياده و تنفيذ عمليات ضد قواته ، خاصة إن حماس تعتبر إحتلال مدينة غزة هي المعركة الفاصلة التي احتفظت لخوضها بقوات النخبة القادرة على إيقاع خسائر فادحة بقوات الإحتلال الصهيوني بغض النظر عن نتائجها .

وقد زاد الطين بلة تصريحات نتنياهو التلمودية التوسعية التي افصح فيها عن نواياه في تحقيق حلم إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل بمناورة مكشوفة  تهدف  إلى مقايضة تهديداته بالتوسع على حساب الأرض الأردنية والمصرية بفعل تهجير فلسطينيين من الضفة للأردن ، وتهجير فلسطينيين من غزة لسيناء .

وهذا امر مكشوف في ظل عدم توفر الكتلة البشرية والعسكرية  القادرة على التوسع والسيطرة على أي أرض جديدة تحتلها إسرائيل .. ناهيك عن أن تصريحات نتنياهو قد وضعت دول الجوار العربية في موضع مراجعة لعلاقاتها مع الكيان الصهيوني ،  وموقع الحذر في التعامل مع توجهاته وسياساته التي تعتبرها مخادعة وغير آمنة تستدعي إتخاذ إجراءات وقائية ورادعة ، كما أنها وضعت الكيان  الإسرائيلي،موضع الدولة المارقة المقلقة للامن والسلم الإقليمي والعالمي .

إن حجج إسرائيل الهادفة لاستمرار الحرب والإبادة تسقط حجة بعد حجة ، وماعادت تقنع غير الولايات المتحدة المتواطئة مع أهدافها ، ولكن هذه المرة بعد أن وافقت حماس على مقترح الوسطاء الأخير  دون تعديل فيستوجب على الوسطاء العرب ومن ورائهم الأمة العربية أن تقف وقفة جادة تحفظ  كرامتها كوسيط عادل غير منحاز أو متخاذل أو متواطئ  في التعامل مع العدو الصهيوني لكبح جماح سلوكه الإجرامي الواضح في إصراره على تنفيذ إبادة ضد الشعب الفلسطيني … فالتاريخ يسجل .

وبكل الأحوال أحسنت حماس في توقيت قبولها مقترحات الوسطاء الأخيرة بهدنة مؤقتة حقنا لدماء الفلسطينيين وإستغلالا لحالة الوهن والضعف الإسرائيلي سياسيا وعسكريا وأقتصاديا .. فهم يألمون كما تألمون.

Share This Article